خرافات، أساطير وقصص شعبية

خواطر عن التراث الشفهي الضائع بين السطور

‏هذه الخاطرة وردت في بالي قبل عدة ايام وكتبتها كسلسلة في برنامج تويتر، وآثرت أن أحفظها كتدوينه لرغبتي بالعودة لها والإضافة إليها بإذن الله تعالى، كما أن البحث قادني إلى كتاب معجم التعابير الاصطلاحية الكويتية المقارنة” للمؤلف الدكتور محمد جاسم بن ناصر، الذي وبشكل عجيب يحمل بعض الأمثال والقصص التي تستخدم أيضاُ في بعض محافظات نجد مع بعض الاختلافات البسيطة باللهجات.
فعند سماع مثل شعبي، أحب دائماً المبادرة في “قوقلته“ بحثاً عن مقالة تشرح أصلة أو أخرى تستشهد به والاستمتاع بالسياقات المختلفة لاستخدامه. العجيب هو أن كثير تاريخنا الشفوي لايمكن ايجاد “مرجع الكتروني له” مثل البيت:
‏ياشيب من يرجي الغدا من رقية، يضحي الضحا ماشفنا بالبيت دخان.

وهو من الأبيات المفضلة لدي في اللوم والتقريع اللطيفين من القائل على نفسه وعلى من يلومه في نفس الوقت.
‏أو مثلي المفضل “ أكلتها بقرة الحبيشي” والذي حاولت جهدي لفترة طويلة إيجاد سبب شهرة هذه البقرة سيئة الحظ وكيف أصبحت مضرب مثل عند التلكؤ وسرد أسباب واهية للآخرين.

‏أو ماتردده جدتي في كُل مرة نبدأ بالتخطيط ونبالغ بذلك حتى تقطع الأحلام والتخطيط بمقولتها:
‏من شبع تفكر
‏ومن جاع ضاعت افكاره
‏والتي أيضاً لا أعرف أي أصل لها. ولم أجد سبب المقولة التي خلدتها كتراث شفوي في منطقتي
‏هذه الحِكم التي لم تدون بعد تجعلني أشعر بثقل مسؤوليتنا في نقل تراثنا. وكيف يمكن أن ننقله؟ بالاستشهاد المستمر بأمثالنا الشعبية والشفوية التي تميز كل محافظة ومدينة عن أختها، والتي بذاتها تحمل قصصاً شخصية لمن عاش فيها وتنقل بطياتها صراع قائليها وأمانيهم.
‏أذكر بذلك أبيات شعر ترددها امرأة كبيرة بالسن كُل مرة نلتقي بها في العطلات عند مسقط رأسها :

‏ياليت ناصر كبير لي يوديني
‏من فوق صالون يطوي الخط عجلاني
‏يومن وليله وعقب الشمس مافيها
‏ بزوارة يا اهلي مانيب قعادة

‏قائلة الابيات تزوجت ونقلت لمدينة أخرى وأنجبت ولدها، في أحد الايام طلبت زوجها يذهب بها الى مدينة اهلها فرفض وقامت تلعب طفلها وتقصد الابيات هذي كنوع من مواساتها لذاتها
‏احدى القصص التي كانت تستمتع جدتي رفعها الله بالعافية في ذكرها ورؤية ردود أفعالنا ونحن أطفال عليها كانت بشرح المثل ( ماء غبية وماء وضح ) وهو جواب أنيق لتجاهل الإجابة الصريحة عندما نسألها عن تفضيلها لأي مسألة، وهي قصة شفوية أيضاً يلزم شرحها بعض التفصيل.

‏وان كنت تتسائل عن القصص النصف منسية؟
‏حصل هذا مع قصة “بلاوي“ الفتاة الشقية التي ربطوها أهلها في زبيل ثم رموها فوق النفود تخلصاً من شرورها، وتحولها من نقمة على المدينة إلى فتاة هادئة تفوز بالزوج الثري حالما تُصلح من أخلاقها
‏حيث تم إعادة سرد حبكات القصص العالمية بترجمة “محلية”‏ غارقة بمحليتها، حيث أن عقدة المشكلة للقصة تبرز حالما تصبح شقاوة بلاوي التي لاتجدها أمها في كل مساء أثناء تنوميها لأخوتها :
‏واحد اثنين بلاوي وين ؟
‏لتكتشفها ككل ليلة متعلقة في سقف الدار فوق صحن الزبيل أو العرزالة وتتسبب في كشف الجيران المتلصصين آكلين بقايا عشاء أهل الدار وتداعيات ذلك ‏من مشاكل اجتماعية يواجهها والدي بلاوي من العار في كشف الجارة ثقيلة الدم وعدم احترام مكانتها وستر أخطائها، لتنتهي بالتخلص من بلاوي الفتاة الشقية في النفود لتواجه الموت وحدها.

‏جدير بالذكر أن بلاوي كانت إجابة لدعاء الأم المصابة بالعقم وكان دعاءها: “يالله تجيب لي بنت ماتخلي ولا تبقي، راضيه يكون عندي بنت أشقى من أي شقي بالعالم أهم شي يصير لي ضنا”
‏استمتع الان بذكر أساس القصة لكني نسيت كل تفاصيلها التي تمتد لليلة كاملة من الأحداث والمغامرات والتفاصيل المنسية للأسف
‏وإلا لكان بيدي مادة ثرية بتفاصيل التأديب باستخدام القصص، حيث أن “بلاوي” الشقية ماخلت ولا بقت من الأحداث التي تمر على الطفل إلا وفعلتها وبشكل غارق بالتطرف المضحك الذي جعلنا كأطفال نطلب اعادة القصة كل يوم لسنين طويلة ونجزع كل مرة من شقاوة بلاوي العجيبة. وأحزن كذلك لعدم حفظي هذه الأحاديث لأورثها شفيها لأطفالي كما فعلت جدتي لي حفظها الله وأطال بعمرها بصحته وطاعته.

وما رأيك أنت؟