قصص وخواطر .. ||

قماش الساتان الأحمر #قصة_قصيرة

لقد حلمت اليوم بعدة أحلام غريبة: كانت كثيرة، وجميلة، وواقعية. لذا عندما استيقظت من النوم، لم استطع أن اتخلص من بواقي أحدها، وهو الزوجة ذات القماش وزوجها القائد الروماني المتقلب المزاج. فقررت أن أكتب قصتهم كما أذكرها من حُلمي.

مر وقت طويل منذ أن كتبت قصة، لذا أتمنى ان تستمعوا بالقراءة كما استمتع بالحُلم عنها = )

٠٠٠٠٠٠٠

قماش الساتان الأحمر

كان زوجها دائما يعود للمنزل دون أن يخبرها ان كان أحضر الواقع معه. لقد كان يدخل أحياناً وهو مُبلل حتى العظام لتهب مرتاعة فتجده يبتسم ويخبرها أن الأمر مُجرد حُلم التقاه وأعجبه في الطريق، وأنه لاداعي للخوف. فهاهم سيستيقظون منه قريباً ولن يكون ردائه رطباً.

لقد كانت زوجة مُطيعة، تسمع كُل مايخبره لها زوجها وتصدقه. لقد كانت تُحبه بجنون، ولاتقوى أن تفكر بيوم لاتطيع فيه نزوات زوجها الغريبة. لكن الأمر لم يعد تحت السيطرة أبداً، لقد فقدت القُدرة على التفريق، إن زوجها لم ينبهها أبداً من قبل إن كانا في حلم أم لا. لقد فقدت القدرة على التفريق بين الحلم والواقع وكان ذلك يرعبها جداً. لم تكن تعرف إن كان يجدر بها الصراخ والركض لإحضار صندوق التطبيب الذي تحتفظ به تحت سريرها لمعالجة الجراح الغريبة الشكل من على قدم زوجها العائد من الخارج، أو أن تضحك معه وتسأله عن نوع الحلم هذه المرة.

لم تعد قادرة على معرفة زوجها، أهو هو الرجل الذي تعرفه وارتبطت به منذ إحدى عشرة سنة؟ أم هو رجل آخر غريب استغل عدم قدرتها على تمييز الأحلام فتلبس شكله؟

لقد كانت الزوجة مطيعة ووديعة، لذا لم تزعج زوجها بقلقها وإستفهاماتها وخوفها كثيراً. لقد قررت أن تحل الموضوع بنفسها، بهدوء وبسلام وبمكر ” كما قالت لخادمتها ضاحكة بخفة طفولية “. لقد أخرجت الزوجة من الغرفة الخلفية التي تقبع في الدور الثالث من منزلهم قماش ساتان أحمر جميل، لقد كان قديماً، وآثار الزمن بادية عليه بوضوح. فلقد كانت الغرفة الخلفية مخزناً مهجوراً لايدخله أحد. حتى هي لم تدخل هذه الغرفة إلا ثلاث مرات منذ أن تزوجت : الأولى كانت بدافع فضولي محض، فتسللت للغرفة ذات عصر وبدأت بتنبيش مافيها، لكن الغبار وتراكم الأغراض سرعان ماغيرا رأيها فخرجت منها والدموع تملأ عينيها والغبار متمسك بها في كُل مكان. المرة الثانية كانت بعد ثلاث سنوات من زواجهما، عندما غضبت على زوجها مرة ووأخذت كرسيه المفضل ورمته داخل الغرفة دون أن تستشيره، لقد كانت المرة الأولى التي تغضب عليه فيها، ولها حق بذلك، فلقد كانت المرة الأولى التي يجرب بها زوجها التنقل من بين الحلم والواقع ولقد فعل ذلك دون أن يخبرها، ودون أن ينبهها لهوايته الجديدة! لكم أن تتخيلوا الرعب والهلع الذي شعرت به الزوجة المسكينة عندما رأت زوجها يدخل المنزل ورأسه يتدلى من بين كتفيه:

– أهلاً ياعزيزتي!

هذا كُل ماقاله. برأس شبه مقطوع ويدين متدليتين وإبتسامة غبية. لقد صُدمت الزوجة المسكينة المطيعة! كادت أن تظن أن زوجها مات أمامها! كادت أن تصرخ طالبة طبيباً أو خياطاً له. لكنه أخبرها بأن الأمر بسيط “وسيعود كل شيء لطبيعته ان عاد من الحُلم، هيا ياعزيزتي الآن. أين الشاي والحلوى؟ لم يسبق لي أن تناولت شيئاً برأس مقطوعة من قبل! سيكون تجربة مثيرة!”.

لم تستطع المسكينة تصديق ماترى، فرمت صينية الشاي التي كانت بيدها وأرعدت وأزبدت بغضب لم تعلم أنه يعتمل داخلها حتى! لم تستطع أن تصرخ على زوجها أو تغضب عليه، أنى لها هذا وهي زوجة مطيعة وديعة تُحب بيتها ورجلها؟ لقد وجهت كُل هذا الغضب والصدمة على الكرسي المتلوث بالدم والتراب، فجعلت زوجها يقوم منه ويقف داخل المطبخ حتى لا يلطخ باقي أرضية البيت بدمه، وصرخت على الكرسي الذي يستحيل تنظيفه، فلا الدعك ولا الغسل ولا التنظيف بالبخار سيفيدان هذا الكرسي المنجد الغبي القديم!

لقد صرخت وغضبت على الكرسي كما لم تغضب من قبل، ولم يزعج الأمر زوجها البتة، بالرغم من كون هذا الكرسي هو مجلسه المفضل إلا أن زوجته أهم لقلبه بكثير، فآثر أن يراها غاضبة على الكرسي مُكسرة له على أن تغضب عليه وعلى هوايته الجديدة.

هذه هي المرة الثانية التي فتحت فيها الزوجة الغرفة الخلفية في الدور الثالث من المنزل. أما المرة الثالثة، فهي عندما أخرجت قماش  الساتان الأحمر الذي يبلغ طوله ١٤ إنشاً ووضعته على كتفها الأيمن. قماش الساتان لايظهر في الأحلام أبداً، لذا إن دخل عليها زوجها بحلم مجنون مرة أخرى ستعرف تماماً كيف تتعامل معه، فإن كان القماش على كتفها الأيمن بطول ١٤ إنش تماماً، فهي بالواقع، وتستطيع حل المشكلة. لكن إن كان القماش على كتفها الأيمن أقل أو أكثر من ١٤ إنش أو غير موجود على كتفها اليمنى فإنهم في عالم الحُلم وعليها أن تصبر على نزوات زوجها حتى يمل من هوايته هذه.

مرت الأيام والأسابيع وقماش الساتان الأحمر في كتفها الأيمن يوفر لها الراحة النفسية للمعرفة. لم تعد تكتئب أو تقلق على زوجها كما كانت تفعل في السابق. ركضها المتكرر لإحضار صندوق التطبيب لم يعد متكرراً أيضاً، فهي تعلم الآن متى يكون زوجها يلعب في حُلم ما ومتى يكون عائداً حقاً للبيت بشكل طبيعي. الزوج بالتأكيد لم يكن راضياً تماماً على التغيير، فكان دوماً يُحب أن يرى الوجه المصدوم لزوجته العزيزة ومحاولاتها لكشف ألغازه وألاعيبه، لكنه لم يقلقها أو يأمرها بإبعاد قماش الساتان الأحمر عن كتفها الأيمن. فهو يحب زوجته جداً، ويفضل أن تقل متعته اليومية على أن تحزن هي أو تضطر لفعل شيء لاتريده.

اصبحت زوجته تستطيع التفريق بين الحلم والواقع، صارت تحمل دوماً قطعة قماش ساتان أحمر بطول ١٤ إنش وتضعه على كتفها: ليكن ذلك في السرير أو في الحمام، في المطبخ أو في عرس ابنة الجيران. كانت دوماً وأبداً تحمل قطعة القماش الحمراء في كتفها الأيمن، ولدى كُل موقف غريب كانت تسحبه بهدوء وتعد طول قماشها حتى تتأكد ان كانت بحلم أو حقيقة. لقد صار عد طول القماش والتأكد منه عادة لها كما هو الأمر لزوجها وتنقله بين الحلم والواقع.

ذات يوم دخل الزوج وهو يرتدي لباس “بابا نويل”، لقد كانت ملابسه تقطر بالماء وشعره مشعث، ركضت الزوجة نحوه لكنه أخبرها بأنه لديهم ضيوفاً وعليها تجهيز بعض القهوة لهم ” لقد عزمتهم أثناء تنقلي في الحُلم، أحضري بعض الحلوى فهذا الرجل يُحبها كثيراً”. ابتسمت الزوجة فرحاً لحضور الضيف، فهي ليست معتادة على وجود الضيوف في البيت، وزوجها لم يكن يحضر الكثير من اصدقائه، لذا كان هذا تغييراً منعشاً للإثنين.  وفي غمرة الفرح ألبست زوجها معطفاً طويلاً كانت تعلقه في دولاب صغير تحفظ فيه ملابس المناسبات. وأشارت ببشاشة للرجلين بالجلوس في الغرفة ويفعلا ما يريدان بينما تجهز بعض الحلوى الإضافية.  عندما ذهبت للمطبخ وجدت خادمتها مشغولة بتجهيز العشاء، وكان معها الكثير من قطع الأقمشة التي جمعتها في جيب فستانها الصغير. أخبرت الخادمة سيدتها بأنها جمعت ماقدرت عليه من أقمشة وقصاصات لتصنع مفرشاً جديداً لطاولات المطبخ، فالمفرش القديم اهترئ واصبحت ألوانه قديمة، الجميع الآن يضع مفارش حمراً في مطبخهم وسأقوم بخياطة مفرش أحمر مبقع ومطرز.

 لم تقل الزوجة شيئاً، فهذه الخادمة الجديدة تُحب أن تقوم بمهام كثيرة لم تطلب منها، وعلى الرغم أن الأمر أصبح يكلفهم الكثير، إلا أن المنزل أصبح أكثر ترتيباً مما كان عليه، فالستائر تجددت وغرفة الجلوس أصبحت أكثر ملائمة للضيوف من قبل. لذا لم تكن لتعارض قرار خادمتها في تجديد أي شيء أبداً، طالما أنه يفيد المنزل ويعجب زوجها الذي أصبح الآن يحضر الضيوف للمنزل ليريهم زوجته.

كانت الجلسة مع الرجل الغريب الذي إلتقاه زوجها ممتعه، قرر الرجلان بعد مدة أن يعودا من عالم الحلم للواقع ليتمتعا حقاً بطعم الحلوى والقهوة التي أعدتهما الزوجة الطيبة. ابتسمت الزوجة وهي ترى الرجلان يمدحان طعامها ومدت يدها بهدوء نحو قماش الساتان الأحمر على كتفها الأيمن لتتأكد من طوله ولتعرف هل عاد الجميع من عالم الحلم بعد أم لا.

تلمست يداها القماش صاعدة للطرف البعيد، لكن الطول أبداً لم يكن كما يجب، لا لأن القماش قطع فجأة كما يحدث عادة في الأحلام، أو مختفياً من كتفها، بل على العكس من ذلك: عندما تمرر يدها اليسرى بهدوء نحو القماش تجد أن طوله مختلف عن يدها اليمنى التي تلمسه بعد ذلك.

اصيبت الزوجة المسكينة بالذعر الشديد! ولأول مرة سحبت القماش بقوة من على كتفها وبدأت تقيسه بقلق وسرعة: لقد كان القماش مقصوصاً!  صرخت بغضب لم يره الزوج إلا مرة طوال زواجهما.

– لقد قُص قماشي! لقد قُص قماشي! لقد قصت الخادمة اللعينة قماشي! في جهة مقاسه أربعة عشراً إنشاء، وفي أخرى مقاسه ثلاثة عشر! لقد قصت مربعاً في قماشي!

صرخت الزوجة وصرخت وهي تقلب قماشها الأحمر المفترض أن يكون طوله اربعة عشر إنشاً بالضبط، لكن الصراخ لم يفد أبداً في إعادة قصاصة القماش المأخوذة لمكانها. ولم تستطع الزوجة المسكينة أن تعرف إن كانت في عالم الأحلام أم الواقع. فعلى العكس من زوجها المرح لم تكن الزوجة قادرة على التفريق بين عالم الأحلام والواقع.

6 آراء على “قماش الساتان الأحمر #قصة_قصيرة

  1. أبدعتِ!
    القصة أثارت دهشتي ثم ضحكي ثم انبهاري 🙂
    قُصِّي علينا الكثير، سأبدأ بانتظار جديدك.

  2. لا ادري ما أقول 💖💖🍃 من اجمل ما قرأت اندمجت بالكامل 💘💞💘💞💘 اتمني ان تراودك احلام اكثر في المستقبل 😉🌷💓💓

  3. …أنا من متابعي مدونتك الرائعة و القيمة جدا 💚💜
    هذه أول مرة أكتب تعليق .
    لأن القصة جذبتني الصراحة وشدتني إلى أن جاء آخر سطر ” فعلى العكس من زوجها المرحو لم تكن الزوجة قادرة .. ”
    هههههه..
    هل كنت تقصدين زوجها المرحوم ؟..هل كان ميت ؟ هل علقت هي في أحلامها.؟
    …..
    Best wishes !😉

    1. لا كُنت أقصد “المرح” يبدو أن الواو دخلت غصباً خخخخ!
      شكراً للتنبيه! الأخطاء الطباعية دومآً تختفي من عيني!

  4. كُنت دوما أسحب على الكلام الكثير ولكن قرأت المقدمة لم أستطيع تركها لقد شوقتني إلى أن أنهيتها،أهنيك جدًا جدًا جميلة القصة و رائعة،أنتظر جديدك.

وما رأيك أنت؟

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s