كممارسة للأعمال اليدوية، فإن وجود الثقة أمر مُهم جداً لإكمال أي مشروع جديد أشرع في تطبيقه، وغالباً هذه الثقة تأتي من خلال تطبيق مشاريع سابقه سهلة التنفيذ وذات نتائج مُرضية، مما يجعل تجربة مشاريع أصعب أمر أسهل، لكن في ذلك خطورة شديدة :
فبتجربة مشاريع جديدة أو مُبتكرة أو كثيرة التفاصيل، تزداد نسبة الخطأ، وبالتالي تجد نفسك بعد عدة ساعات من العمل الجاد المستمر أمام قطعة فنية مشوهة الملامح غريبة التفاصيل ولا تشابه أي صورة عقلية رسمتها أثناء التخطيط والتجهيز للمشروع، هذا الإحباط يزداد بشكل أكبر إن كُنت تضع آمالاً عريضة على مشروعك الجديد وتبني فيه العمل المثالي الذي تمرنت كفاية لتحقيقه: لترى أن يديك لم تعد يداك، ونتيجتك ليست كأي نتيجة صنعتها من قبل ..
( كيف لقبح كهذا أن ينتُج من فكرة مثالية قضتُ مايكفي من الوقت للتمرن على أساسيتها؟
كيف لشيء كهذا أن ينتُج من خطأ بسيط ؟ )
أسئلة كثيرة ستتكرر في عقلك وستدور في زوبعة لانهائية، سيتعاظم الإحباط ويبني سوره العالي حول أفكارك الأخرى مانعاً لها من الإبتسام داخلك. وستقف حائراً أمام القطعة التي قضيتَ عدة أشهر تعمل عليها : – أهذه هي حدود مقدرتي حقاً ؟
إنه أمر طبيعي حقاً، أن تواجه الفشل في أمر كُنت متأكداً تماماً من النجاح فيه. وإنه لأمر طبيعي أيضاً أن تُحبط وتنطفئ كل طاقتك بسبب ذلك.
الغيرُ طبيعي هو أن تستسلم وتؤمن بأن هذا الفشل العرضي هو حقيقتك، وأن هذا الفشل العرضي هو أنت.
هذه القطعة عملت عليها لمدة شهرين متواصلين، درستُ الألوان وتداخلها وحاولت كثيراً أن أطبق ماتعلمته من تأثير الخطوط والخيوط في النتيجة النهائية، كُنت متأكدة كثيراً من نجاحها حتى إني لم أفكر قط بخطط جانبية لتطبيقها إن لم تنجح إحدى الطرق التي قررت أن أستخدمها.
كُنت أضع الكثير من الصور لكل خطوة أقوم بها، وأخبر الآخرين عنها وكيف أنني سعيدة للعمل على شيء يثير روح التحدي من جديد!
حتى إني تسوقت لشراء إطار مناسب إن انتهيت منها ( على الرغم من أن صاحبة اللوحة تُريدها بشكل مختلف ). لكني لم أكن أفكر بأي شيء عدا كيف سأصور النتيجة النهائية، وكيف سأجد المدح الكثير والقلوب وعبارات الغبطة من المتابعين، وكيف ستصل الإعجابات بالنتيجة النهائية إلى عدد كبير لم أتوقعه، وكيف سأغلفها وسأرسلها إلى صاحبتها وأنا أتظاهر بالتواضع أثناء كتابة رسالة الشكر والعرفان.
لكن ماحدث غير ذلك تماماً، الأخطاء تستمر بالحدوث، الوقت يركض وكأنه سيفوت قطار الحياة، والتواضع الذي كُنت أريد إظهاره عجباً بنفسي أصبح حقيقة أجدها في نفسي، العمل لا يسير كما توقعت، الإعجاب وعبارات الغبطة لا تأتي، والنتيجة لاتظهر بشكل جميل أبداً …
على العكس، وجدت أن قانون التلوين أختلف فجأة، وعيناي اللتان تدربتا على إلتقاط الكيفية وتطبيقها دون تدريب مسبق أصبحتا عمياوتان عن الألوان والخطوط والحركة. كُل شيء يتكون بشكل قبيح، كُل شيء يكتمل بشكل قبيح، وكُل لون يرفض أن يتعاون مع أخيه.
الصدمة كانت أكبر مما أتحمل، تركتُ الريشة بجانبي وبكيت، بقوة، وبحرقة، لأيام عديدة… حاولت أن أُرقع مافعلته لكن النتيجة كانت تسوء أكثر فأكثر، حاولت أن أُعطي المشروع لشخص متخصص بالتلوين لكن النتيجة لم تتحسن كثيراً…
بكيتُ كثيراً، وقررت أن أفاتح صاحبة الموضوع بالأمر وأعتذر لها. لكنها كانت أكثر من مجرد “طلب” فرفضت أن أتوقف وأرادت النتيجة النهائية ( لا بأس، سأنتظر حتى تنهيها، لايهمني الوقت، أريد عملكِ أنتِ لذلك سأنتظر )
كان ماقالته لي، جملة صغيرة كسرت ماتبقى من الغرور المتراكم الذي نتج عن نجاح كُل التجارب السابقة، شعرتُ بأني صغيرة جداً، سيئة جداً، وغير ماهرة على الإطلاق. لقد كُنت أعامل كُل مشروع على أنه شيء “آخر” يجب أن أكرره. أسلوب اكتسبته بعد أن نسيت طعم التجارب المُتكررة للتعلم، بسبب ثبات اسلوبي ووصولي لمرحلة جيدة من التطبيق التي تسمح لي بأن أُنتج عدداً من الإعمال دون أي خطأ ظاهر للعيان.
إنها ضربة مُوجعة للرأس حقاً، أن أُخطئ بشكل لايمكن تعديله، أن تنكسر ثقتي الظاهرية التي لم تمتد جذورها إلى أعماقي بعد. وكل تلك التمثيليات التي دارت بداخلي مُجرد حفلات عقلية حتى أُبعد القلق والخوف من بداية مشروع جديد مُختلف.
الأخطاء ستتكررر وستأتي بشكل طبيعي في كُل خطوة أخطوها، وربطها بعار الفشل ليس إلا محاولةٍ جبانة للتهرب من تعديلها والعمل عليها من جديد.
الأخطاء ليست بمرحلة يجب تجنبها والهرب منها حتى لو أدى ذلك إلى التوقف عن العمل، بل هي أسلوب آخر من أساليب تغيير خطة العمل، نقطة مهمة ومفصلية للتطوير والتحسين كذلك.
التعلم من الفشل مُتعب كثيراً، فأنت لا تقاتل لتغيير نتيجة عملك فحسب، بل تواجه كل تلك الأصوات الهازئة في رأسك، والضاحكة من حولك.
كُن قوياً، أعط نفسك راحتها وحارب قدر الإمكان هذه الأصوات لتعدل من خطأك، وتصحح فشل مشروعك بشكل أفضل بإذن الله تعالى.
أما مشروعي؟
فبعد أشهر من البكاء والهرب من التطريز ككل، وجدت حلاً بسيطاً لم يخطر على بالي من قبل!
لم أُجبر على إعادة عملي من جديد، ولم أُخيب ظن صديقتي أسماء التي صبرت خمسة أشهر حتى تستلم لوحتها الجديدة الجميلة، ككُل لوحات التطريز التي أعمل عليها ;p
ماشاء الله فعلا الهام .. وبالضبط يحاكي واقع الإحباط ماشاء الله ما اقدر اعبر واو ماشاء الله يا إلهي ماهذا …
شكراً على هذه التدوينة التي وصفت بدقة ما يحصل لي.
أشعر وكانني أرى نفسي بدقة HD 🙂
بالفعل اتسأل أحياناً لماذا بدأت هذا المشروع، وأين هي نفسي التي انجزت كل تلك المشاريع الجميلة
اكتشفت مؤخراً أن ما يؤلمني هي تلك التوقعات والأمال، ففكرة الفشل بحد ذاتها ليست مرعبة
ولكن عقلي يحب في بعض الأحيان عمل مسلسل درامي منها.
فكنت لفترة من الزمن لا أبدا بمشروع او نشاط خوفاً من الفشل
لكن ليس الآن …
ممتنة لك ♥
شفت