20 تدوينة خلال 2014 · قصص وخواطر .. ||

الكُرسي الأخير: حيث يولد الجن – جذع شجرة النخيل-

رمت دانه سجادتها الحمراء على الأرض وجلست عليها بدون اهتمام وقالت:
– رفض أبي أخذك معنا.
رد عليها جذع الشجرة المقطوعة بصوته الهامس:
– هذا طبيعي.
ضربت دانه التراب بيديها ووقفت بسرعة لترتب السجاده وتجلس عليها من جديد قائلة:
– تعرف انهم سيهدمون المنزل إن انتقلنا.
– اعرف ذلك.
-وتعرف انه سيتم قلعك، وستموت!
ضحك الجذع وقال بسخرية:
– عزيزتي، كم مرة أخبرتك، لن أموت، بل سأفقد تجسدي الفيزيائي مرة أخرى فقط.
زمجرت دانه واستلقت على ظهرها مراقبة النجوم اللامعة :
– أتمنى أن يحولوك لكرسي خشبي تجلس فيه عجوز سمينه.
ضحك الجذع لتعليقها ولم يعقب عليه. فمنذ أن بدأت لقائاتهما الليلية في الساحة الترابية خلف المنزل كانت دانه تُصر دوماً على إيجاد حل لمشكلة جسده. حتى إنها عارضت الإنتقال لمنزل عائلتها الجديد بشده رغبة في أن تكون بقرب صديقها الفضائي الذي فقد جسده برحلته الطويلة إلى الأرض.

قاطعت دانه صمت الظلام الساكن حولهما:
– ومازلت لا تريد إخباري بشيء؟
– مثل ماذا؟
قال جذع الشجرة بلطافه.
– مثل سبب وجودك هُنا.
تنهد الجذع، لكن دانه لم تستسلم هذه المرة، فمنذ ثلاثة سنوات مضت بدأ جذع النخلة المقطوعة بالتحدث فجأه!ولمفاجئتها، لم يكن الجذع “مسكوناً” كما أخبرها باقي الأطفال، وسماعها لصوت بكاء من جذع النخلة المقطوعة منذ خمسة عشر سنه مضت ليس بأوهام تخيلتها كما قالت لها أمها. في البداية، كان الجذع يبكي دوماً، وقد أزعج هذا البكاء المتكرر لعبها في ساحة المنزل الخلفية، وسيلة متعتها الكُبرى كطفلة وحيده في منزل مليء بالكبار المشغولين بأعمالهم.
بدأت علاقتها مع الجذع عندما هربت ذات ليلة إلى الساحة مع صندوق خشبي مليء بالريالات والصدف لتدفنه بعيداً عن الضيوف المحتملين للمنزل، واللذين كانوا عملاء محتملين لشبكة الأشرار السيئين كالمهرج والقناع الأخضر. وحالما حفرت حفرة كبيرة كفاية لتدفن صندوق نقودها حتى سمعت ضحكة خفيفة من الجذع الباكي ويقول لها:
– ان دفنتي صندوقك هُنا فستنسي مكانه كصندوقكِ الآخر!
– اخرس! أنا أحفظ كنزي من اللصوص!
– اذاً ادفنيه بالقرب من جذور الشجرة التي أسكن فيها، سأحرص على أن لايقترب منها أحد.
– لا يبدو لي بأنك جني سيء!
قالت دانه بإستغراب وسعادة وهي تدفن صندوق كنزها بجانب الجذع:
– ولأنك جني لطيف، سأثق بك!
– انتِ تبيعين ثقتكِ بسرعة ياصغيرة.
– أنا لا أبيع شيئاً! بل أسلمك مُهمة حماية كنزي من الأشرار!
تلك المحادثة قبل ثلاثة سنوات كانت بداية علاقتهما، جذع الشجرة المسكون و فتاة بالثانية عشر من عمرها.
– حسناً، بما أنك ستغادرين خلال اليومين المقبلين سأخبرك بقصة قصيرة.
قفزت دانه من سجادتها مما سبب للتراب بأن يتسرب إلى فستانها الأصفر الطويل :
– أتعني بأنك ستخبرني بأصل الجِن وبلادكم؟
– مع الأخذ بالحسبان أني لستُ بجني، لكن نعم، سأقص عليك قصة حدثت في زمن بعيد جداً، وقد حكاها لي أبي قبل أن نأتي للأرض.
تعدلت دانه بجلستها وقابلت جذع الشجرة بحماس كبير. كانت الليلة في بدايتها ونجوم السماء بدأت تلمع من بعيد:
– أرأيتي تشكيلة النجوم اللامعة في الأعلى؟
– أي واحدة؟
– تلك التي تبدو كسين مقلوبه.
جالت عينا دانه قليلاً في السماء ذات النجوم الوليده قبل أن تهتف بحماس: أوه أن تقصد مجموعة الدب الأكبر! أنا أُحبها!
-حسناً هذا جيد، لأن قصتي تتحدث عن سبب وجود هذه النجمات في سماء الأرض.
– همم
عاودت دانه التمدد على سجادتها الحمراء موجهة بصرها مابين التشكيلة النجمية وصاحبها الجذع.
– كان يامكان، في وقت بعيد عن الزمان والمكان. كان هُنالك بلاد كبيره مليئة بالبحار من كُل جانب، وكانت الأرض اليابسة نادرة كندرة الجواهر.
ضحكت بسخرية:
– تبدو وكأنك حكواتي من العصر الجاهلي.
تنهد الجذع وصمت لعدة دقائق حتى انتبهت دانه لمقاطعتها المزعج، فقالت بتضرع مرح:
أوه ارجوك لاتؤاخذني، ها سأسكت!
ومررت يدها على شفتيها لتمثل إقفالهما. علق الجذع بأسلوبه اللطيف لكن الحازم في نفس الوقت:
-دعيني أُكمل حتى النهاية، فكما قلت في تلك البلاد الأراضي اليابسة نادرة جداً، ولا يسكن فيها إلا شعب الإيردا، بينما الفيردين، القبيلة الأخرى التي تسكن البلاد، كانت تبني بيوتها على أوراق طحالب عملاقة تطفو فوق المياه الأبدية التي تُحيط بذلك الكوكب.
صمت الجذع لفترة وقال لصاحبته:
– حالياً تُسمونه بكاليبر إثنان وعشرون باء. أنتم البشر لديكم طرق كسوله في تسمية الأشياء الجديدة.
رفعت دانه يديها وتمددت معلقة:
– إيجاد اسماء جديدة أمر مُزعج، كيف لك أن تخترع شيئاً لتصف شيء آخر بالكاد تعرفه!
ضحك الجذع موافقاً لها وأكمل حكايته:
– ماحدث هو أن هذين الشعبين لا يتفقان أبداً. وفي يوم من الأيام، قرر أمير شعب الإيردا الزواج من ابنة ملك الفيردين مُعلنا الصلح والسلام بين الشعبين. أنجبت الأميرة ولداً اسمه “شون”. وبعدها بعدة سنوات أنجبت ولداً آخر اسمه “فراي” كناية عن لطفه وحسن تكوينه. وبعد أن كبر الولدين وافق الشعبين على تقسيم المملكة بينهما: فحكم شون الإيردا، بينما حكم فراي الفيردين.
لم يكن فراي لطيفاً كما أرادت له أمه أن يكون عندما انتقل معها إلى بلاد الأوراق الطافية، بل أعمته السلطة وتحكم بوحشية شديده في شعب الفيردين حتى خططوا للإنقلاب عليه. حالما وصلت اشاعات التمرد إلى فراي غضب بشده وأخرج جيشه قاتلاً ومهدداً كُل من تسول له نفسه بمعاداته.
بالطبع لم يكن شون راضياً عن تصرفات أخيه، وحاول كثيراً أن يثنيه عن جرائمه، لكن محاولاته السلمية بائت بالفشل. وعندما أخرج فراي جيشه مُحارباً شعب الفيردين غضب شون وأخرج جيشه ليحارب أخيه ويخلص المواطنين من شره.
استمرت الحرب بين الأخوين أربعة سنوات بحرية. واضحت البلاد في حال سيئة جداً من الفقر والتخريب. وبالرغم من محاولات الأم الحثيثة لوقف ولديها من القتال إلا أن كُل خططها وتوسلاتها ذهبت سُدى.
تململت دانه في مكانها محاولة كتم عدم إهتمامها بالقصة. لكن الملل تغلب عليها وعلقت بصوت خفيض:
– أغبياء، سيموت الجميع بنهاية الحرب على كُل حال.
– هذا صحيح.
قال الجذع بلطف، لقد مات أغلب شعب الفيردين نتيجة للحرب، كذلك الإيردا ماتوا بسبب الجوع والخراب الذي حصل في بلاد البحر. لم يبقى سوى الجيشين يتحاربان لمدة طويلة.
– بما أن كُل شيء أفسد، لماذا يستمران بذلك؟
تسائلت الصغيرة منقلبة على بطنها :
– لا أفهم قصتك، مالذي تريد قوله؟
أجاب الجذع:
– لا شيء مُحدد، لكن الحرب الطويلة استمرت بين جيشين في كوكب فقد حياته مُبكراً. ولأن أم الأميرين ضاق صبرها من التخريب الذي يحدث فقد سحرت الولدين في رحلة أبدية مع جيشهما المُخرب.
– رحلة أبدية؟
تنهد الجذع طويلاً:
– أتعرفين لماذا فقدت جسدي وحبست هنا بجذع النخلة هذا؟
تربعت دانيه وأجابت بحماس متزايد:
– لا ؟
– لقد كُنت جُندياً لفراي.
– كاذب!
قهقه الجذع وأردف:
– محقة محقة، لم أكن جندياً أبداً. لقد أتت إلي الملكة غانيا لتحل مشكلة ولديها المُزعجين. وكعالم اقترحت أن نرفع حرارة البحار الداخلية لتموع قطع اليابسة والأوراق المتبقية وبذلك ينتهي سبب الحرب الرئيسي.
– فكرة غبيه!
– أنتِ مُحقه، لقد كانت فكرة غبية جداً. ومن المتأخر جداً الإعتراف بهذا الآن.
تغير صوت الجذع وأصبح أكثر برودة عندما أكمل قصته:
– لم تكن الخطة مثالية تماماً، لم يعرف أحد أن تسخين البحار الداخلية سيتسبب بإنفجار الكوكب. لقد غابت حقيقة كون الكوكب بحري عن أذهان الجميع.
توقف الجذع عن الكلام لعدة دقائق. رفعت دانه رأسها إلى السماء من جديد وراقبت النجوم السبعة المتلألئة في السماء:
– وقُذفتم جميعاً في الفضاء…
– بعضنا..
صحح الجذع صديقته:
– كان الجيشين قد تأهبا لشيء كهذا، أنت ترين موكب فراي العالق في الفراغ وهو يحاول اللحاق بجيش أخيه.
– الدب الأكبر هو مركب الأمير الغبي؟
صرخت دانه بإستغراب:
– أوه نعم، إن الفضاء مكان غريب جداً. حينما قُذف سكان الكوكب، فقد البعض كتلتهم الفيزيائية مثلي. بينما علق آخرون في فراغات كونيه غريبة وتحولوا نتيجة الضغط إلى نجوم متوهجة. كوكب الأمير فراي تماماً…
قالت دانيه:
– ماذا عن الأمير الطيب؟ وأمه؟
– لقد ماتا. كما أخبرتك، العربة تعود للأمير فراي، بينما النجمتين البعيدتين عنها هما لملكة ووصيفتها. لقد كانتا تلحقانه عندما أخرج جيشه لملاحقة الهاربين من المتمردين على الرغم من كل مافعله وتسبب به، كانت الملكه تُحبه حباً جماً، وأرادت أن تحذره لألا يفقد جسده كما حدث لنا. لكن الإنفجار كان سريعاً وطرح الجميع خارج النظام الشمسي خلال دقائق.
– أهؤلاء كلهم الجن الموتى الذين قذفهم انفجار الكوكب العظيم!؟ لم أعرف ان الجن كانوا كائنات فضائية متسرعة.
قالت دانه بصوت متعاطف وهي تنفض فستانها الأصفر الطويل من التراب.
– عندما أرفع نظري للسماء، كُل ما استطيع رؤيته هو نقط لامعه متناثره في كُل مكان. الكُتب تقول بأن لكل نقطه اسم. وكل تجمع نجوم له اسم أيضاً. لكني لا أستطيع رؤيه ماتقوله الكتب، فكل ما أراه هو نقط لامعه تنتشر بكل مكان. ربما كان الأمير الطيب وأخيه يلاحقان بعضهما هناك. ربما لم يموتا مباشره كالملكة التي تحولت إلى نجمة لامعه. ربما هما مثلك، جن محبوسين لكن في السماء؟
انخفض صوت دانه عند آخر جمله، شعرت فجأه بالخجل من اقتراحها الغريب فنفضت فستانها بقوة أكبر وصرخت:
– لا يهم! اصلاً من الغباء أن تحارب أخيك أو تنشف مياه كوكبك. لم أعرف أن الجن كائنات غبيه ومتهوره!
– انت على حق بهذا!
قهقه الجذع برقه، صوته الخفيف المكسور حمل كُل الندم والحزن اللذين رافقاه منذ اقتراحه المتسرع الغبي في رفع حرارة الكوكب
– غداً سأشتري قطعتي آيسكريم. واحده لك وواحده لي.
قالت دانه بخجل وسرعه وهي ترفع سجادتها الحمراء الصغيرة:
– سأجعلك تتذوق شيئاً بارداً قبل أن ننتقل من هُنا، لا أصدق ان الجن أغبياء لهذه الدرجة! سأحرص على تعليمك كل شيء عن الانحباس الحراري قبل ان ننتقل.
– اعتمد عليك في ذلك!
نظرت دانه إلى الجذع مطولاً، شجرة النخيل التي قطعها عمها قبل أن تولد لأنها تتوسط ساحة المنزل. الجذع مازاح يحمل اللون الأسود في نصفه العلوي ومتيبساً بشده من الشمس والرياح التي تعرض لها كُل هذه السنين. هذا الجذع القبيح تلبسه جني من الفضاء الخارجي. لم تعتقد دانه ان قصة الجن واصلهم من الفضاء، وانهم متهورين بحروبهم.
– أوقعتي بحبي؟ ربما يمكن لوالدك تحويلي لصندوق موسيقي راقص لك؟
– حقاً، ادعو بأن يحولوك لكرسي خشبي تجلس فيه عجوز سمينه.

 

 

 

###

القليل من التعديلات للنسخه الأولى من قصة الكرسي الأخير: حيث ولد الجن

هُنا الجزء الثاني من القصه.

رأي واحد على “الكُرسي الأخير: حيث يولد الجن – جذع شجرة النخيل-

  1. جميلة جداً القصة!
    الأفكار التي تحتويها رائعة .. و التسلسل جداً جميل
    لغتها سلسلة و تجذب القارئ
    و الشخصيات و تفاعلها مع بعضها أيضاَ رائع
    أحببت شخصية البنت و ردات فعلها أثناء الحكاية.. و أحببت فكرة الجن و أصلهم و ربطها بالنجوم و الفضاء

وما رأيك أنت؟

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s