“ الذكرى شكل من اشكال الخلود ”
― عدي جاسر الحربش
في هذه التدوينة سأقص عليكم قصة قصيرة، ليست من وحي الخيال، بل من الواقع، عصارة تجربة، والكثير من الأنا التي لم أنثرها في مدونتي يوماً …
كُل مافي الأمر هو أنني أرغب حقاً في كتابة تدوينات لا تحوي سوى “الأنا” وآرائها الخاصة، لكني لم أفعل ذلك من قبل، وإن فعلت، فسأبثها من خلال قصة ما أو فلم رأيته يداعب مشاعري تلك اللحظة.
لم أكن لأملك الشجاعة لفعل ذلك، لم أملك الشجاعة يوماً، ومازلت أفقدها كثيراً، لكن ذكرى صغيرة من الماضي أيقظتني ..
فعندما كُنت في التاسعة من عمري توقفت عن كتابة القصص، لخوفي من أن يقع دفتري بيد أحدهم ويقرأها ثم يوبخني بسبب “التفاهات” التي أكتبها.
وفي الثالثة عشرة توقفتُ أيضاً عن كتابة القصص بعدما عُدت لها من جديد، لأني قرأت مقالاً ناقداً ذكر بأن “الكتابة تُعري الكاتب وتعكس مشاعره وإنفاعلاته الداخلية” ..
لا أخفي كيف أن ذلك السطر أرعبني، هز كياني، صدمني بطريقة لم يصدمني بها أي نص قرأته من قبل! ذلك الرعب الذي أحسسته وأنا أقرأه، شعور التعري الكامل واللا خصوصية، قصصي التي عُدت لكتابتها وبدأت “أخيراً” أثق بأنها جيدة وتستحق أن تُنشر وتجمع في كتاب وأصبح أصغر قاصة في المملكة “ كما كان حلمي آنذاك” تحطم على صخرة تِلك الجُملة!
لا لن أتعرى لأحد، ولن يكشف مايدور بخلدي أحد أيضاً!
صرخت في نفسي وتوقفت عن الكتابة، توقفتُ عن خط أي شيء يُمكن أن يفصح عن مشاعري أو يعكس الأنا التي جاهدت لتخبئتها طوال سنيني القليلة تلك. لكن الأمر لم ينجح، كيف له أن ينجح بعد أن أصبحت أيامي عبارة عن أحلام يقظة مُستمرة، فبدلاً من أن أكتب وأشعر “بالعري” أمام القارئ، قررتُ أن “أكتب” وأتعرى أمامي فقط، أن أتخيل قصصي وكلامي برأسي فقط، وأنا هُنا لا أعني عملية التفكير التي نقوم بها عندما نحدث أنفسنا بأمر أو فكرة ما، بل أقصد العيش داخل العقل والخوض في القصة أو النص الذي “أكتبه” بقلمي الخيالي ذاك.
في تلك الفترة نزل معدلي الدراسي بشكل كبير، لكني لم أهتم، لأنني وجدت “الطريقة المثلى” لأعبر بها عن نفسي، دون أن أُفضح، دون أن أُعرى، ودون أن يعرف أحد بذلك أيضاً !
تلك التجربة الغريبة كانت مثرية بكل الطرق الممكنة، تلك السنة العجيبة التي لا أتذكر منها شيء سوى خيالاتي وأحلامي المتصلة المتتابعة ( نعم، لقد كُنت أحلم بحلم واحد طوال أربعة سنوات متتابعه، وفي كُل ليلة يُكمل الحلم أحداثه من حيث توقف). الأمر الذي ذكى رؤيتي للعالم كما أراه الآن، وأشعل فتيل خيالي الجامح وقواه.
السبب الذي جعلني أذكر هذه التجربة الطريفة هو أنني طوال تلك السنة الصامتة “حيث أنني كُنت صامتة حقاً خلال تلك السنة وبالكاد أتفاعل مع أحدهم” وتلك السنوات التي كُنت أعيشها في تأهب دائم وحراسة مستمرة لدفاتري وقصصي المتواضعة هو أنني كُنت أحلم دوماً بأن أجد البطل المغوار الذي يكتشف موهبتي ويصعد بي إلى درجات المجد والشهرة !
كُنت متأثرة جداً بما أشاهدة في التلفاز من برامج متواضعة، والتي جميعها تشترك بصفة واحدة، وهي أن البطل يُنقذ دوماً! مهما كان وأينما كان، طالما أنك البطل، فالإنقاذ بالطريق لك!
ولأني بطلة قصتي الخاصة وحياتي، فقد كُنت أنتظر بطلي الذي سيكتشف تميزي وروعتي وإختلافي ويقدمني للعالم كالهدية التي طال إنتظارها! بل لم أكتف بالجلوس والإنتظار فحسب، فقد كُنت أتفقد الجرائد كُل يوم في خانة الإعلانات لعلني أجد إعلانا يقول ( نطلب أطفالاً يكتبون قصصاً ) أو ( بطل يبحث عن طفل مبدع ليتبناه ويرعى موهبته) .. تلك كانت أموراً غبية، لكني صدقت وآمنت بها بشدة، وجلستُ أنتظر، وأنتظر، وأنتظر… حتى فقد الإنتظار معناه، وأصبحت أكبر من أن يُطلق علي “طفلة” ..
في المراهقة عُدت للكتابة، وكان السبب إستعراضياً بحتاً، فموضة الإنترنت بدأت تنتشر، والمنتديات في عصرها الذهبي ذاك الحين، فكتبت قصصاً كثيرة منها حلمي الذي استمر أربعة سنوات “ ولم أنه القصة حتى الآن لأني أغلقت الملف دون حفظه بالغلط فطارت النهاية وطار صبري وشغفي معها وتوقفت بعدها عن تذكر أو التفكير أو حتى الحُلم بذالك الحلم الطويل المعقد الجميل، وهو أمر أندم عليه الآن).
موضة المنتديات علمتني أمراً مُهما لم تعلمني إياه الحياة التي لم أكن لأعطيها أي قيمة أو “جهد” .. وهو أنه لا وجود للأبطال، ولا وجود للإعلانات الخارقة في الجرائد.
هذه العوالم الإفتراضية علمتني الكثير، منها أنني البطل المغوار الذي سينقذني، ولا أحد غيري قادر على فعل ذلك. وأن الصمت ونبذ الحياة والواقع لن يجدي نفعاً، إذ أنه سيؤكد عدم أهميتي ويلغي وجودي بين الأحياء “ وهو الأمر الذي كاد يتحقق بعد أن أصبحت شبه مرئية xD لم يكن أحد لينتبه إلى وجودي حتى أخبره بأني “هُنا” أو أهزه! ببساطة، إن جلست في مجلس ما، فأنا والصمت والجدار خامة واحدة، لا أتحرك أو أتكلم حتى يُخيل للحضور عدم وجودي في المكان، وهو أمر ممتع لسماع الأحاذيث التي لا يحق لك سماعها لو انتبه أحد لوجودك”. أيضاً تعلمت أن الكتابة لا تعريني تماماً، هي لا تكشفني وتصرخ في الملأ “ هاكم الكاتب فأحرقوه”، بل تُدغدغ تلك الأمور المرتبطه بيني وبين القارئ، الروابط الخفية التي يجد القارئ نفسه فيها، ليظن أنه بذلك أكتشف دواخلي من خلالها، بينما هو في الحقيقة فتح نافذة جديدة ليرى نفسه من خلال الآخرين.
أمُلك الكثير من كلمات الشُكر صراحة، للإنترنت، للمنتديات، لأصدقائي الذين لم أرهم يوماً بالرغم من أنهم قريبين جداً وأعرف عنهم الكثير، ولذلك الناقد الذي فجعني في طفولتي وجعلني أفكر مئة مرة ومرة قبل أن أكتب أي نص جديد، لأن الكتابة عُري، بالرغم من أنه ليس بعري فاضح دوماً ..
أردت فقط أن أشارك الجميع تجربتي في التعبير عن “ الأنا” التي أخفيتها دوماً، وكيف أصبحت الآن ماهي عليه، واضحة، بسيطة، ويسهل خداعها وإسعادها.
أريد للجميع أن يفتحو نافذة ذواتهم، يشاهدو الحدائق الغناء بالداخل، كيف كانوا بالأمس، وكيف هُم اليوم، وكيف سيصبحون بالغد القريب..
جميلة جداً قصتك القصيرة
وجدت بعضاً من أفكاري ها هنا .. دائماً الخوف يحاصرونا وهنا تكمن القوة قوة التصدي له وإثبات الذات و الوجود
فلن ولم يثبت أحد وجودي سواي .. البعض لديه الكثير ليتم أكتشافه يوماً بعد يوم ولكن هو وحده من يجعل تلك الأمور تتكشف بإرادته
النفس مهما حاولت إظهار ما بداخلها لن يستطيع أحد أن يفهمها كما هي تفهم ذاتها .. فلا تخشي كتاباتك لن تتعارى أبداً 🙂
فهناك الكثير من يتعمد عريّ كتاباته للفت الأنظار دون المشاعر وأنتي لستي منهم وهذا الأكيد لأنكِ خشيتي العريّ بكتاباتك !
تمر بنا السنين سريعاً وفجأة نكتشف ذواتنا من جديد نرى أشياءً كانت تغضُّ البصر والآن صوتها موجود ليسمع .. نكتشف أنفسنا ونتدارك ما مر بنا
أخطائنا ومعتقداتنا تبنينا كل يوم ونتغير كل يوم ونزيد حصيلتنا الذاتية بالكثير لنصبح في المستقبل قواميس للباحثين عن الذات كما نحن اليوم
أحببت مقالتك جداً وشدتني للكتابة المبعثرة كأفكاري تماماً
شكراً لك
وتمنياتي لك بكتابات جميلة لا تخشين إخفائها 🙂 فقلمك جميل جداً
الهنوف
Reblogged this on متاهة ~ and commented:
يا للأنا المسكينة
كم قاست وعانت في سبيل حمايتنا من العنف الذي نمارسه في حق أنفسنا
وأبدعت في ابتكار آليات تحفظ لنا وعينا كلما بالغنا في التثبيط والتحطيم..
وكي تضمن سلامة مشاعرنا ودوامها, وتحافظ على قلوبنا من أن تموت
وحتى لا ينتهي بنا الحال إلى العيش بلا مشاعر.. وبلا قلب بسبب قسوة الظروف والأحوال
أرسلتنا إلى عالم أحلام اليقظة
والذي كما وصفت هناِ, نكون نحن أبطاله ومركز اهتمامه
لامستِ بعض الجروح وبقايا ذكريات لا تسرّ .. لكنني لم أكن لأسلك هذا الطريق لولاها..
كانت أيام لها نكهتها الخاصة
وأحلامها أيضاً التي لم يتم البوح عنها ولن يتم على ما أعتقد
لكنها أشهر أو سنوات وتستعيد فيها الأنا حقها واحترامها
وترغمنا بلطفها على إعادة استكشافنا لها والغوص فيها والتعرف عليها
ومن ثم مصادقتها
لطالما خبئنا دفاترنا عن أعين الناس خوفاً من قراءتها
و إكتشافهم بما يدور في دواخلنا
كم أنتي أنتي جميلة
حرفك جميل فلمَ الخوف من التوبيخ ؟
أعجبني كيف اكتشفتي انتي الطريق الصحيح
أعجبني شغفك للكتابة حتى لو كانت تعري !
مُلهمة
” الكتابة لا تعريني تماماً، هي لا تكشفني وتصرخ في الملأ “ هاكم الكاتب فأحرقوه”، بل تُدغدغ تلك الأمور المرتبطه بيني وبين القارئ، الروابط الخفية التي يجد القارئ نفسه فيها، ليظن أنه بذلك أكتشف دواخلي من خلالها، بينما هو في الحقيقة فتح نافذة جديدة ليرى نفسه من خلال الآخرين.”
جميل جدا مقالك٫ وبخاصة الاقتباس الأعلى ..صادق جدا 3>
أحببت مقالك أو قصتك القصيرة التي تتكلم عن الانا
ارتكبنا جرائم كثيره في حق انفسنا أيام طفولتنا
لو اننا عشناها بدون هذا الخوف الذي يسكننا
لو اننا لم نهتم ولم نقلق ….
كم كنت اتمنى ان لو انني عشتها بدون هذه القلق
لو انني تركتها تمارس مهارات احببتها ذات يوم .. لما كنت الانا الان
كلماتك كان له وقع على قلبي (L)
ملهمه جداااا مفرداتك زمان ماقريت نص متسلسل بعفويه مبهره للامانه افكر اقرا جميع تدويناتك واستلهم من مفرداتك الغنيه بالمعاني انا كنت لقرا لا كنت اكل واشرب روايات وكنت احب المفردات العربيه الغير متداوله الا بالكتب. لانها توصل احساس لذيذ مختلف عن الاعتياديه بالتعبير من تزوجت سافرت وبعدت عن غرفتي اللي احتوتني انا ورواياتي الشهيه لدرجه نسيت اني كنت احبها لا انتي فعلا مؤثره برجع بروح عطشه لعالمي ذاك معك انا عمري ٣٦ سنه تركت القراءه بعد التخرج والزواج بس احن لاارادي لتلك العاده الجميله المهذبه لتفكيري شكراا كاندي
ﺻﺮﺧﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﺗﻮﻗﻔﺖُ ﻋﻦ ﺧﻂ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻳُﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮﻱ ﺃﻭ ﻳﻌﻜﺲ ﺍﻷﻧﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﻫﺪﺕ ﻟﺘﺨﺒﺌﺘﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﻨﻴﻨﻲ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺗﻠﻚ. ﻟﻜﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺢ، ﻛﻴﻒ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺠﺢ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺃﻳﺎﻣﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺣﻼﻡ ﻳﻘﻈﺔ ﻣُﺴﺘﻤﺮﺓ، ﻓﺒﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻛﺘﺐ ﻭﺃﺷﻌﺮ “ﺑﺎﻟﻌﺮﻱ” ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ، ﻗﺮﺭﺕُ ﺃﻥ “ﺃﻛﺘﺐ” ﻭﺃﺗﻌﺮﻯ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﻓﻘﻂ، ﺃﻥ ﺃﺗﺨﻴﻞ ﻗﺼﺼﻲ ﻭﻛﻼﻣﻲ ﺑﺮﺃﺳﻲ ﻓﻘﻂ، ﻭﺃﻧﺎ ﻫُﻨﺎ ﻻ ﺃﻋﻨﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺤﺪﺙ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺄﻣﺮ ﺃﻭ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺎ، ﺑﻞ ﺃﻗﺼﺪ
حميل جدا هذا المقطع ارى نفسي من خلاله
نعم ارتكبت هذه الحماقه وتوقفت عن الكتابه مثلك واصبحت جميع كتاباتي تدور في عقلي فقط.
انت كأنك انا :(♡