دقاتِ اللقاءُ الغائبة
” سأنتظرك للأبد، أوزيماندس “
همست تلك الكلمات المُحترقة بين شفتيها وهي تنظُر لظهر حبيبها المُغادر، “سأنتظِركُ للأبد”، قالتها دمعاتها المُترقرقة على وجنتيها الحمراوين بُكاء وحسرة.
لم تكُن مُغادرة الفُرسان للقصر الملكي شيئاً غريباً، لكن قلبها أحس بغصة ألم هذه المرة، رؤية الفُرسان يتجهزون بدروعهم اللامعة مُحيين الملك ورعاياه، رؤية “أوزيماندس” يلبس خوذته الحديدة الموشاة بأحرف النصر تبتعد عن عينيها أكثر وأكثر وكأنلها لتعلن الرحيل الأبدي ..
لم تكن لتقبل ذلك، إختفاء الخوذة في الأُفق وانحسار الجيش العظيم ليُصبح خطاً أسوداً بالكاد تلمحهُ عِند الشروق ..
تلك الليلة أتى “أوزيماندس” إلى مخدعها ليخبرها برحيله الكبير غداً، ركع عند سريرها وقبل خصلات شعرها الشقراء متوسلاً لليل ألا ينقضي، حفظ رائحتها فيه قدر الأمكان لتعينه على مرارة الفقد والرحيل :
– هيلدا، جميلتي المسكينة ..
– أوز، أستتركني مرة أخرى هُنا وحيدة ؟، أستتركني أجابه وحشة الظلامُ و وحشة غيابك معاً ؟ أتقوى أن تتركُ امرأتك وحيدة لأحزانها و ..
قاطعها ” أوزيماندس” بضمة مُفاجئة لجسدها النحيل المُترطب بندى دموع الرجاء :
– ومن يقدر على أن يترُك زهرته لتذبل ؟! سأترُككِ لفترة قصيرة فقط، لقد أوكل لنا الملِك مُهمة القضاء على جيشٍ صغير اقتحم الحدود الشمالية ..
رجفات جسد “هيلدا” تزداد، لقد انفرط العقد وتشاقطت حباته بُكاء غزيراً :
– وستقاتل ؟ ماذا سيفعل قلبي عالماً بوجودك في وجه الخطر وحيداً ! أووه أوز ماذا سأفعل لو اختفيت من أمامي ! أوه أوز لا تذهب أرجوك.
زاد اوزيماندس من قوة احتضانه لحبيبته المفجوعة، هامساً لها بأرق الكلمات وأحلاها مُحاولاً أن يُنسيها أخبارالحروب وخوف الفقد المُرعب، همس لها بأنهُ سيعود، أخبرها بضعف ذلك الجيش القادم لدرجة أن الكُل يتوقع هزيمته قبل الإلتحام حتى !
– إنهُم مُجرد حشرات ناطقة.
قالها أوزيماندس وهو يمسد شعر حبيبته على حُضنه :
– لن أغيب سوى عدة أيام، أسبوع على الأكثر، وحين أعود فإني سأتقدم بنصري العظيم للملك. وعندما يسألني عن جائزتي فإني سأطلب الزواج بِك .
أشرقت شموس سعيدة في الوجنتين، فالزواج من أميرة البلاد شرف لا يحضى به الكثير، حتى القلة القادمين يجب أن “يثبتوا” أحقيتهم للملك، وما أفضُل من نصر مُدوٍ لتكون هدية الزفاف الأولى ؟!
– أأنت جاد ؟
همست الجميلة الخجلى بصوت تكاد تسمعهُ جنيات الليل الراقصة :
– بالتأكيد !
همسُ آخر لفح وجنتيها المُشتعلتين بوهج الحُب، لحظاتُ صامتة طالت كالدهر سعيدة مُبتهجة تحفظ لحظات نصرها لئلا تجرؤ على نسيانها، أنوار الشموع رقصت واهتزت فرحاً لهما، جِنيات الليل أقامت حفلتها الراقصة فوق رؤسهما مُباركة بهذا الجمع السعيد، لكن وكما يغتصب الموت فرحة الحياة، أطلت أشعةُ شمس الصباح لتنبئهما بخطر الوجود وإنتهاء اللقاء. كفت أميرتنا دموعها واطلقت شعرها الطويل أمام وجه حبيبها الجالس أمامها، قصت خُصلة طويلة وجدلتها تحت ثياب الحرب :
– خُصلة شعري هذه وضعتُها فوق قلبِك تماماً، ستحميك من الأخطار وتُطمئن قلبي عليك .
رفت جفونها محاولة ربط عقد الدموع الذي يكاد أن ينزل تِباعاً وابتسمت:
– ستعود لي قريباً .
أومأ لها وأخرج ساعته الذهبية، أعطاها إياها وهمس :
– وهذه هي ساعتي الذهبية، ستُخبرك بمدى قُربي من طريق العودة كُلما دقت. اجعليها بقربك دائماً وستخبرك دقاتها بقربي إليك.
توقف زمنُ عالمهما للحظة أُخرى سعيداً، حافظاً كُل ماتقع عليه عيناه : أشعة الشمس المُطلة بثبات، زقزقات العصافير الناعسة، البرودة المُحملة بدفء الصباح، رائحة الحبيب الجالس بالقرب، ذكريات السعادة، وأخيراً ذلك الوجه المُقابل الذي لن يُنسى مهما عبر الدهر تجاعيد الزمن.
أبعد “أوزيماندس” يدي حبيبته من على رقبته هامساً بأن الذهاب حان، أومأت هي خوفاً أن يسرقهُ الزمن منها إن لم تسلمه بطواعية إلى أنياب المجهول القادم ..
وحل الوداع، هادئاً، صامتاً يحمل نعوش الموتى طريقاً له. من ذا الذي أخبرناً كَذباً بأن لحظات الوداع حارة بقبلات الذهاب و مشاعر الإشتياق ؟ من ذا الذي أخبرنا بهتاناً بمشاعر الغياب المُحترقه ؟
الغياب قِطعة جليد، غياب مُشاعر وجمود زمن، لا شيء يحدث أثناءه، لا يمكنك أن تصرخ في أبواب الغياب أن تُقفل عن أحبابك، فلديها تلك القوة العظيمة القادرة على إخراس الحياة بأكملها أمام جبروتها وطغيانها، تلك الأبواب الحديدة العظيمة، صريرها وحده كافيٍ بكفكفة مشاعر الحُب المتوهجة ليحيلها طين متكتل من الماضي، فتحتة الباب تبتلع المجهول والمعلوم سواسية، لاتترك فراغاً للتفرقة والتعريف، كُلكم مُبتلعون بواسطتها، دون استثناء ..
وهذا ماحدث، فقد ابتلعت ابواب الغياب الحديدية “أوزيماندس” دون أن تُفتح لتعيده ثانية، وبقيت “هيلدا” تنتظر على شُرفات نافذة غُرفتها، تُقرب الساعة إلى أُذنها لتسمع دقات قُرب الرجوع، راقبة الدقة الأخيرة، وسطوع شمس العودة ..
—
P.S :
اليوم كتبتُ قصة قصيرة تحكي واقع الرسمة أعلاه xD ..
نعم يوم أمس كانت الجميلة رينوا ترسم في اللايف ستريم أميرة مُنتظره ، وحدث مايشبه بالحوار القصير بيننا :
ثم ببساطة استيقظتُ صباح اليوم أشعر برغبة كبيرة في كتابه قِصتها !
دائماً تُلهمني رسمات رينوا وفيافي و سينسي في كتابة قصص تحكي واقع شخصيات الرسمة، لكني دوماً أشعر بالعجز لفتح مُستند جديد والجلوس والكتابه xD لذا من الجيد أن تكون فكرة الرسمة هذه اصرت على كتابتها ..
اتمنى أن تكون القصة جيدة، وعذراً على أية أخطاء في الصياغة أو غيرها لأنه لم أكتب قصة رومانسية من قبل في حياتي “هذا أولاً” ، وثانياً أشعر أن مهاراتي الكتابية في تناقص هذه الفترة xD
اترقب بشوق انتقاداتكم ورأيكم أحبتي : )
رااااائعه