52 تدوينه خلال 2012 · قصص وخواطر .. ||

قالعِ المُقل – قصة قصيره –

التحدي الرابع \ أو الثالث لا أذكر” من مجموعة الكتابة كان صعباً جداً xD أعني ذلك وبكل جوارحي، فلأول مرة منذ أن بدأنا المجموعة يمر أسبوع كامل دون أن تنزل أي فتاة منا قصتها !

تحديٍ مُذهل ومرهق هذا xD أحببته جداً أيضاً بالمناسبه !

هذا الأسبوع كان التحدي بكتابة قصة خيال علمي تتعلق بالصورة أعلاه  ..

عني فقد إحتجت لثلاثة أيام كاملة لأخرج بالثيم ومثلها لأبدأ بالكتابة xD ، بحثت كثيراً في الإنترنت عن اللغات والفضاء والكواكب، حقاً لأول مرة أفعل ذلك لمجرد إيجاد “ إسم” شخصية أو “جو “ قصه ! الأمر ممتع لصعوبته التي واجهتها :$

كما أنني أيضاً سعيدة بالنتيجة النهائيه :$ إن أحسست بالرغبة فبإمكاني إكمالها على شكل رواية طويله !

دعونا من كثرة الكلام وتفضلوا القصة ^^”

قالعِ المُقل

 

 

في عام 2012 تم إكتشاف كوكب مجري  يبعد عن الأرض إثنا عشر ألف وخمسين مليون سنة ضوئيه ، خلال العشرون السنة المُقبلة، سيصبح البشر قادرين على بِناء أول مدينة كوكبية على الكوكب ” زُحل” .. بعدها بسنوات طويله إكتضت المجرة الشمسية بكواكب “مأهولة بالسُكان”، ولم تعد الأرض الكوكب الأخضر الوحيد ..

 

بعد أن تنقل البشر من كوكبٍ إلى آخر، وجدو أن مجرة درب التبانة ليست المجرة الوحيدة التي يُمكن أن تحمل حياة ما، وبخطووة جريئة تم إرسال سفينة فضائية مُكونة من عشرة رواد فضاء ( سبعة رجال وثلاث نُساء ) لإكتشاف مجرة زيفرات جارتنا البعيدة جداً ..

 

أحداث هذه القصة تدور في كوكب ” روزفنتال ” بعد ثلاثمئة سنة من موت الرواد العشرة أي ثلاثمئة و خمسة وتسعين سنة على تحطم السفينة الفضائية على سطحه ..

 

 

 

 

* * *

 

–  الجابي !

الجامعين أتوا .

ضرخ الأطفال راكضين في ساحة البيت برُعب وخوف، فهؤلاء ” الجامعين” يأتون فقط عندما يكونُ هناك ولادة جديدة، ليجمعوا مُقلتي الطفل حديث الولادة ويغادرون بعدها .

تجمع الأطفال في زاوية قصية يتهامسون بحماس وخوف وفضول شديدين :

– يقال أنهم مُتوحشين !

– يعيشون في البُعد الأول !

– “شُعاع ” قال إن عيونهم زرقاء صافية كأمواج بحر الأرض !

– زرقاء !

تعالت الهمسات حماساً مع الموضوع الجديد الغريب المُطل عليهم، لتخفت فجأة عندما تعالت أصوات حوافر طائر ” الترودوك ” فتختفي همسات الأطفال وتتطاول أعناقهم فضولاً وحماسة لتصل أشعة الحس إلى الكائن وتتفحصه بدقه ..

– مُذهل !

صفر أحدهم بحماسة كبيره، بينما أردف آخر آثر الإختباء خلف ظهر شقيقه :

– كبير جُداً ! مُرعب ! لنعد إلى المنزل !

– صه ! لقد ترجل الجابي ! لنختبئ !

أصوات ركضات الأطفال أنتشرت في الساحة الفارغة لتختفي بعد لحظات قليله متبوعة بلهاث وتنهدات إرتياح صدرت من فُتحات القرية الصخرية هُنا وهُناك ..

ترجل الجابي ودخل إلى المنزل الرابع إلى اليسار ..

 

 

* * *

 

قبل آلاف السنين، كان الأبوين لا يرتاحان ولا يهدأ لهما بال حتى يسمعا صرخة حياة طفلهما الأولى، تلك الصرخة تجلبُ لهما السعادة وتمسح شقاء الأرض كُله بلحظة صفاء سرمدية، لكن في الوقت الحاضر و بزمن كهذا، فإن صرخة الطفل الأولى ليست علامة الحياة المؤكدة، بل طنين جهاز الـ”قياس” الذي يقتلع مقلتي المولود ويستبدلهما بحجرين زُجاجيين خاصين لتجميع الأشعة وتكوينها، بعد ذلك يتم زرع برنامج عصبي خاص بتحليل المعلومات وتفسيرها إلى دماغ الطفل ..

طنين إنتهاء الجهاز، هو صرخة الحياة الحديثه ..

 

صمت طويل جُن داخل جدران المنزل الحجرية، تناثرت جُزيئات صمتٍ مُرتعبة لتختبئ في الأفق عندما أعلن الجابي أنه سيأخذ الطِفلَ معه !

صرخات مكتومة ترددت في جدران الأم الملكومة، لعناتٌ غضبى ترددت من رجال القرية المتجمعين عند الباب !

أيُأخذون الأطفال جِزافاً لأرض الهلاك فقط لعدم تحمل أجسادهم الهشة العمليات المُعقدة التي فُرضت عليهم ؟!

أيقتل طفلِ لم تُكمل شمسه إشراقها لعين لم تُقتلع ؟!

لكن الجابي لم يرد، وبصمت وهدوء حمل الصغير ولفه بخرقة حمراء ذات خطوط خضراء بالية وابتعد .. تتبعته لعنات غضبى تخطئ الهدف وتصيب الصياد في مقتل ..

 

* * *

 

مضت ثلاثة أيام مُنذ أن تحطمت المركبة الفضائية، المغامرون العشرة ذهلوا لمدى مواكبة هذا الكوكب الجديد للحياة البشرية فيه ! الماء متواجد تحت كهوفٍ عميقة مُبتعدة عن السطح الشبه الجاف، أشعة الشمس تصل خجلى بعد أن تغرب الأقمار الثلاثة بعيداً خلف الحلقات الحيطة بالكوكب، أرتأى الرواد أن يسجلون تفاصيل كُل يومٍ وكل تغيير وإكتشاف يجدونه، وكان إنقسامهم إلى مجموعتين ثمرة هذا الإتفاق :

المجموعة الأولى بقيت على سطح الكوكب تدرسُه وتكتشف سطحه، بينما الثانية ف غادرت على متن المركبة الإحتياطية الصغيرة إلى الحلقة الأولى لدراستها، فقد كانت خلافاً لما نعرفه عن حلقات زحل، عبارة عن سطح صلب يدور حول الكوكب سامحاً للأشعة الكونية والشمس أن تصل بحرية عبره !

تركيب الحلقات العجيب، أثار الفضول لدى الرواد ولم تمنعهم أية أخطارٍ مُحلقة في الأفق البعيد أن يكتشفوه ..

 

عدة أيام مرت، وظلامٍ سرمدي يُسمى ب”الليل” حل في الكوكب البعيد .. ظلام غطى المكان، شوش أجهزة الإرسال وسبب مرضاً غريباً لِمن هُم على سطح الحلقات العجيبة ..

الأسبوع الأول إنقضى دون أية هموم كبيره، فالرواد على الكوكب أوجدو طريقة لزراعة الحبوب التي حملوها معهم من الأرض، كما أنهم وجدو كائنات غريبة و نباتات صالحة للأكل ..

تلك الحيوانات كانت سُكان الكوكب الوحيدة، هي أشبه بطيور النعام الضخمة مع منقار أطول كمنقار البط مُفلطح وجميل الصُفرة، “ويكون ذو لمعة حمراء حاد وطويل لإناثها ”  بينما جناحاها فملونان كجناح الطاؤوس البهي .

الأسبوع الثاني من الليل الطويل أضحى وأضحت معهُ الصعوبات، فلا إتصال مع باقي الرواد على الحلقات، ولا الطعام الذي “كان” صالحاً للأكل موجود بعد الآن !

حل الليل، ونامت معه كُل أنواع الحياة .. !

 

 

* * *

 

قصرٌ ضخم يتربع على القمر ” أبيكينا سكالا الأول “، يبدو من بعيد بزهوه وضخامته كفاكهة خوخِ قُضم نصفها وترك الربع الأخير لتنمو عليه أشجار العفن الخضراء، هذا القصر تبلغ ضخامته حداً جعله قمراً داخل القمر ذاته !

فهو بمساحته التي تُغطي ثلاثة أرباع القمر الذي يكبر قمر الكُرة الأرضية، يشغل الثُلث الأخير بمزارع تربية طيور ” الترودوك ” المُهجنة ومُختبر أبحاث العامة التي يُمكن للعامة أن يقصدوها ويعملوا بها.

حط طائر “ترودوك” ضخم الحجم ذو أجنحة مصبوغة بالأحمر والأصفر والأزرق المُخضر على أحد جُنبات القمر، فطيور الترودوك قادرة على التنقل بين أقمار الكوكب و حلقاته بحرية تامه، لكن جعل أحد هذه الطيور ” مُهجنة” وراغبة لنقل راكبيها من البشر مُهمة عصيبة وصعبه إن لم تكن شِبه مُستحيله !

فالمُتحكمين بهذا النوع من الطيور يموتون باكراً نتيجة حدة طباع هذه المخلوقات ومزاجيتها رغم وفائها الشديد لصاحبها، فبدلاً من أن تقوم تلك الطيور بترك صاحبها عندما تمل منه، تقلع قلبه وتطعمه لأطفالها ك ميثاق سري أن يخدموا أسيادهم حتى يحين وقت تسديد الدين !

وهذا بالطبع يُفسر قلة الراغبين “أصلاً” بتعلم امتطاء الترودوك بين الجابين وإعتمادهم الكُلي على المركبات الفضائية الناقلة أو المصعد الثالث لنقلهم بين الأقمار والحلقات ..

حالما توقف الطائر أمام البوابة حتى فُتح شق صغير يتربع بجانبها، ترجل الراكب ورفع بطاقة ليزرية عاينتها أجهزة الشق، لحظات هي حتى تزحزح الباب الكربوني الضخم من مكانه فاتحاً كوة صغيرة تُمكن الجابي وطائره مِن الدخول إلى القصرِ المُهيب ..

 

صالةٌ رُخامية فارغة كانت المدخل للقصر ومُستقبل العائدين من مهامهم تتوسطها طاولة زُجاجية و جهاز كمبيوتر ثُلاثي الأبعاد، تقدم الجابي للجهاز وفتح عينيه ليُطابق بصمته :

– أنا كاسلو رقم مئه وأبعين، أتيتُ من المهمة رقم ثلاثه صفر أربعة وعشرين.

رد صوتُ ألكتروني من الجِهة المُقابلة :

– أهلاً بعودتك كاسلو مئة وأربعين، نتائج مُهمتك ؟

– تم إيجاد خلايا جذعية مُطابقه، تم إحضار العينة .

صمت ران على الجهة الأخرى طالت حتى تململ الرضيع تحت خُرقة القماش التي يحملها الجابي بيده اليسرى، رد صوتٌ آخر تملؤه الحماسة والفرحة :

– عينة جديده ؟ أأنت مُتأكد أن النتائج مُتطابقه ؟

– هذا ماتقوله الآلة سيدي.

ضرب المُستمع مكتبه ” فيما يبدو” من شدة الفرح وصرخ على الآلة :

– أحضره للمختبر الرابع حالاً، سوف يتم مُكافئتك إن صحت معلوماتك بالتأكيد !

– حسناً سيدي.

ألقى الجابي ” كاسلو مئة وأربعين ” التحية ووضع الطفل فوق الطاولة الزُجاجية التي شكلت نفسها لتصبح سرير طفل صغير، طنت عدة أصوات من الجهاز وتحركت الآلة المُتقلبة الأشكال مغادرة صالة الإستقبال .

 

تنهد الجابي وثنى الخرقة التي كان يلفُ الطفل بها وأدخلها جيبه، لم يُعلق، فلا وجود لرأي شخصي بمنظمة كهذه ..

غادر القصر المُهيب ليمتطي طائره الضخم ويغادر القمر، دقائق هي حتى وصل إلى الحلقة الأولى المُسماة بـ” الحدّوْ  الأصغر”، تقنياً فإن العيش بكوكب “روزفنتال” محكُوم بقوانين غريبة وضِعت منذ أن فتح البشر أعينهم فوق أرضه :

فالكوكب نفسهُ مهجورٌ وغير صالح للسكان، تتم فيه غالباً مُعالجة الغابات ومحاصيل الطعام أثناء أشهر النهار الطويلة فيه ليُهجر تماماً أثناء سُباته الليلي. بينما حلقاته الأربعة فهي مُقسمة السُكان :

ف” الحدّوْ الأصغر” هو أقرب الحلقات للقمر “أبيكينا سكالا الأول” وهي حلقةُ يعيش مُعظم الجابين فيها وعائلات الموظفين في الحكومة المجرية الثالثة .

بينما الحّدْو الأوسط والحدّوْ الأكبر” فهما حلقتين غازيتين لا يُمكن إقامة مستعمراتِ عيش فيها، بينما في المُقابل مُعظم الأقمار الفضائية الخاصة بالتواصل وجمع الأشعة والإتصالات تدور في فلكها.

” الحدّوْ الملكي” هي الحلقة الأقرب لسطح الكوكب والأبعد عن الأقمار الثلاثة التي تخصص أحدها لُيصبح مركزاً لـ ” مركز أبحاث وتجميع المُقل ودراستها الملكي الفضائي” ، بينما القمرين الآخرين فهما مليئان بمستعمرات السُكان ومزارعهم .

طبعاً ” الحدّوْ الملكي” خاص بمسكن الأسرة الحاكمة وحاشيتها، فكوكب روزفنتال تحكمه العائلة المالكة مُنذ أن إستوطنه البشر، أو هكذا يعلم الجميع …

 

 

 

* * * *

 

كهلٌ في السبعين مِن عمره جلس مُنكباً على مكتبه يقرأ ويدرس كِتاباً ضخماً تكاد أوراقه أن تتمزق لكثرة تقلبيها، جلس مُحنياً ظهره الضخمة للباب الذي فُتح ليدخل الجابي بعد مُهمة عمله، قال الكهل دون أن يرفع عينيه :

– عُدت بسرعة هذه المرة .

– حصلتُ على إجازة مؤقته .

رد الجابي وهو يخلع أمتعته ويرميها على المنضدة الصغيرة بجانب الباب، ثم تقدم بهدوء وأشعل الموقد ووضع قدر ماء ليغلي :

– إنتهيت من الجمع في المنقطة الثالثة بهذه السُرعة ؟ أهُناك مُشكلة في مستوى السُكان ؟

قال الكهل بإهتمام كبير أغلق إثرها كتابه وإلتفت إلى الشاب خلفه :

– أهُنالك مُشكلة في القطاع ؟

– لا لقد وجدتُ عينة مُطابقه، لذا حصلتُ على إجازة .

تنهد الكهلُ بحسرة وتمتم لصديقه :

– أمازلتَ تفعل هذه الأشياء المُشينة عدنان ؟

لم يرد الجابي أو ” عدنان” على إفتراضه، بل أكمل صنع قهوته وجلس على الأريكة الصغيرة التي تقع بين المنضدة وطاولة دراسة صديقه :

– لا يحق لشخصٍ مثلك أن يفرض أرآءه الجديدة علي، ولا أهتم إن كان فقدُ إبنك الوحيد سبب صحوة الضمير الغريبة هذه، لا تُدخلني متاهاتك .

صرخ الكهُل بإنفعال شديد إنتفخت أثره أوداجه وأحمرت أعصابه الناتئة :

– لا تقل أشياء كهذه بدون إهتمام ! نعم ! نعم فقدتُ إبني ! وصدق ماذا ! قتلته بيدي لأجد أن الجين الذي يُفترض أن يُستخرج من خلاياه المسكينه ليس سوى كِذبه ! لقد خُدعنا ! خُدعنا جميعاً !!

ضرب الكهل طاولته بغضب لتتساقط كُتبه مرتعبة خائفة من غضب سيدها وجنونه ! ثارت ثائرة الغُبار تحت المكتب وإنفض مُدافعاً عن معشوقته الأوراق ليغطي الغرفة الصغيرة جداً بسحابة غضب سرعان مازالت ..

لم يتحرك ” عدنان” من مكانه، بل أردف لصديقه وهو يشرب الكأس :

– سوف تقودك هذه الكلمات إلى حتفك، لا ترددها كثيراً وإلا تسربت !

لامست هذه الجملة الرجل العجوز وتهادى على المكتب مُرهقاً، قال بعد أن عادت ثعابين الغضب إلى كهوفها المُختبئة تحت جُنح الظلام :

– تعرف ذلك جيداً ، لقد ربيتك كأبني منذ اليوم الأول، كُنتَ صغيراً و ولم نظنُ أنه بإمكانك الحياة يوماً آخر في المُختبر ..

– لكني حي الآن .

قالها بإبتسامة خفيفة سرعان مازالت تحت قناع وجهه المتجمد :

– عليك أن تتوقف عن سرد قِصص الماضي .

– آه أنت مُحق، لكن مؤخراً بدأتُ أفكر بهذا كُله

توقف لبرهة ونظر حول المكان ليُكمل بنبرة تكاد تختفي لضعف صوته وبطئه :

– ماذا لو أننا نعيش في كذبة كبيره ؟ الأربعة العِظام ؟ الكوكب المنفي، الأرض التي ترغب بالقضاء على كوكبنا المُتطور جداً ؟

أنهى عدنان كوب قهوته ووضعه على المنضدة، قام وإلتفت لصديقه المُتحمس تحت وطأة نظريته الجديده :

– إذن فحياتنا هُنا تم التحكم بها كلعبة ؟

– تماماً !

صرخ الكهلُ مُتحمساً لوصول الفكرة لصديقه الشاب :

– لقد تم التحكم بِنا ! برمجتنا بألا نُفكر وأن نتبع القوانين للأبد !

– أليس ذلك أفضل من أن أُقتل بسبب فكرة هوجاء لا أعرف صحتها .

قال الشاب ذلك بسرعة وحزم، إنه جُندي مُدرب، جابي مُقلٍ و قائد لطائر الترودوك، الشك ليست بصفة مقبولة لديه ..

– أظن أنكَ مُرهق بعد عملك في المختبر، إحصل على بعض الراحة وأطرد هذه الأفكار مِنك !

– لكن ..

تجاهل عدنان صديقه وتوجه نحو غُرفة النوم المكونة من سريرن مُقابلين لبعضهما البعض، فهو يعيش مع ” ليونهارد” طبيبٌ متمرس في المُختبر السادس الخاص بعلوم الجينات المُتغيره، لقد رباه ليونهارد بعد أن أحضره “جابي” إلى المُختبر لتطابق جيناته تماماً مع الجهاز، لا يعرف لماذا وماهو المُختلف فيه عن غيره، لكن كُل من تتطابق جيناته مع الجهاز لا تُقتلع أعينهم من مقلتيهم، ويستطيعون جمع المعلومات وتحليلها دون زراعة أي برنامج في أدمغتهم .

الإمبراطور يُردد دائماً في خطاباته الجماهيرية بأن الأمة يجب عليها أن تضحي بعدة أطفال لتحصل على الحل الأوحد من لعنة الحياة بدون أعين، أنهُ بمجرد إكتشاف مُسبب اللعنة سوف يعيش الجميع بشراً كاملين، بعينين ملونتين بكافة ألوان الطيف وحياة رغدة كريمة بعيدة عن المُعاناة والآلام .

عدنان بالطبع أحد هؤلاء القلة الذين لا تتأثر أجسامهم بإشعاعات الكون المُخترقة للكوكب والأقمار الثلاثة، بل حتى لا يحتاج إلى أي تلك المُعدات والتجهيزات التي يحتاجها كُل مواطن قبل أن يتنقل من قمر لآخر أو من حلقة لأخرى، فلجسده مناعة طبيعية تخوله العيش براحة على سطح هذا الكوكب كطائر الترودوك تماماً ..

وهذا مايطمح إلى تحقيقه سُكان الكوكب منذ ثلاثمئة سنة دون فائدة ..

 

 

* * *

 

” ليونهارد”  !

صرخت ” إليزابيث ” بفزع لصديقها الذي فقد وعيه فجأه !

– ليونهارد إستيقظ ! إستيقظ ! إفتح عينيك ليونهارد !

صرخت بيأس باكية، فمنذ أن حطت المركبة على الحلقة وثلاثة من رفاقها الخمسة يتصرفون بغرابة ويفقدون الوعي واحداً تلو الآخر !

– لا بأس إليزابيث، لا تقلقي الإشارة بدأت بالتراجع، ربما يمكننا العودة إلى الكوكب وطلب مساعدة الآخرين .

قال صديقها الشاب والقلق يخترق جبهته أنهاراً مالحه، هو أيضاً لم يتأثر من هذا المكان كإليزابيث تماماً ! لكن ليونهارد وإدوارد و يوليا ليسوا في حالة جيده أبداً !

فمنذ أن وطئتهم أقدامهم هذه الأرض الغريبة حتى إنهارت يوليا وبدأت عيناها تبكي دماً غزيراً !

كانت تصرخ وتتقلب بشدة من الإلم دون أن يعرفوا سبب هذا النزيف العجيب !

بعدها بثلاثة أيام إنهار إدوارد غيرُ قادر على تحريك قدميه بتاتاً، قدراته العقلية لم تتراجع وعينيه لم تنزفا دماً “كيوليا” لذا عُزي الأمر لمرض مُختلف أو فيروس غير مُكتشف يسبح في الهواء الفضائي هُنا .

ليونهارد لم ينهار إلى أن مضى الأسبوع الثاني من وصولهم، بدأ الأمر بهذيان خفيف وقت النوم حتى تطور إلى رعشة قوية في أطرافه, أستمرت الأعراض عدة أيام حتى انهار فاقداً الوعي .

من جهة أخرى، لا تغييرات ملحوظة في صحة كُل من إليزابيث و جمال .

 

في سطح الكوكب، تغيرات درامية حدثت للرواد الباقين، فبعد ثلاثة أسابيع من الظلام الدامس، بدأ الرواد يفقدون حياتهم واحداً بعد الآخر نتيجة تغيرات مُناخية الكوكب و فيروسات غريبة تنهش أجسادهم مُسببة تساقط عيونهم من محجريهما ..

تماماً كما حدث ل”يوليا” من المجموعة الثانيه ..

 

ستمضي عدة سنين حتى يتأقلم الناجين على الحياة في هذا الكوكب الغريب، وبعد أن عاد كُلاً من إليزابيث و جمال ويوليا إلى سطح الكوكب ليجدوا أن واحداً فقط من أصدقائهم بقي على قيد الحياة وهو المُلازم ” جون” ، إتفق الجمع المُتبقٍ على أن يبدأو بالعيش على هذا الكوكب ونسيان كُل ماحدث لهم قبل تحطم المركبة .

فهم الآن سُكان كوكب روزفنتال – والذي سموه بأنفسهم بعد قرعة طويله وتركيب وفك لأجزاء الكلام ليصلوا إلى تسمية ترضي الجميع : فـ”روز rose” تعني وردة باللغة الإنجليزية، و ” فنـ” فهي إختصار لكلمة فناء باللغة العربية، و “ال” إختصاراً لكلمة all التي تعني الجميع في اللغة الإنجليزية، مثلها مثل ” “ل” وهو أول حرف لكلمة live أي حياة -، بذلك يكون معنى إسُم هذا الكوكب :  كُلنا نحيا في فناء الزهور. هذه تسمية بهيجة جداً بالنسبة للحياة فوق الكوكب المُتقلب العجيب، لكنها أمدتهم ببعض الأمل المُتناثر ..

 

 

* * *

 

في غُرفة النوم المُظلمة كسرت همهمات ونقراتٌ سكون النوم الجاثم، تحرك الطبيب “ليونهارد” وتقلب إلى الجهة الأخرى من سريره :

– أأنت راحل في هذه الساعة المُبكره ؟

توقفت الهمهمات فجأة وسكنت، أجاب الشاب بنبرة قلقه :

– أيقضُتك ؟ عُذراً مُهمة عاجله ..

– هممم ..

لم يردف الكهل بأية كلمه بل بقي في مكانه مُضجعاً مُقابلاً الظلمة التي ابتلعت الفتى المستعد للرحيل، قال فجأة بإهتمام :

– عدنان، تعرف لماذا سميتك بهذا الإسم ؟

توقف الفتى عن إرتداء بنطاله للحظة ثم أردف ضاحكاً :

– ماذا هل بدأت تُخرف ؟ لماذا أنت مُصر على نبش قصص الماضي مؤخراً ؟

– صه، سأخبرك السبب . – رد الطبيب الكهل بإنزعاج – لقد أخبرني جدي أن جده من قبل أخبره جده عن قصة فتى كان يعيش في جزيرة معزولة مع جده ..

توقفت حركة الشاب ليستمع بأدب إلى قصة رفيقه الذي أردف قائلاً :

– في يوم من الأيام وجد الفتى فتاة مُغمى عليها في شاطئ الجزيرة، ولم يعرف هو أو جده أين وكيف أتت إلى تلك الجزيرة المعزولة ! لأنهما كانا يظنُان أنهما الناجيين الوحيدين من الجِنس البشري ..

صمت العجوز لفترة، حتى ظن عدنان أن القصة إنتهت :

– من الجيد إذاً أنه وجد فتاة ليتزوجها، سأغيبُ لبضعة أيام لا تنتظرني ..

– لحظه !

صرخ الكهل بعصبية فجأه عندما فتح عدنان الباب ليخرُج ..

– لحظه إنتظر سأُعطيكَ شيئاً ..

مد يده إلى رف فوق السرير وأخرج صندوقاً خشبياً بدأ العفنُ العيش عليه :

– خذ هذا ..

أخذ عدنان الصندوق وفتحه، كانت تتربع على قُطعة قماش مخملية حمراء مِقلة مُفرغة مطلية بالبلور اللامع ..

– وهذا … ؟!

– هديه، أعطاني إياها صديقُ قديم، لقد كان الجابي الذي أحضركَ إلى المعمل ..

– همم .

توقف لبرهة كلا من الرجلين ينظران إلى  بعضهما البعض بصمت، لقد رغب عدنان أن يرمي هذه “الهدية” ويضحك على تفكير الطبيب العجيبب، لكنه شعر بأن فعل ذلك سيجرح مشاعر هذا الكهل المُقبل على الموت بحماسة ..

– شكراً .

قالها بصوتِ منخفض وأردف بسرعة :

– لدي مُهمة، سأتأخر ..

خرج عدنان من المنزل ليبقى الطبيب يُراقب الباب الذي خرج منه الشاب الذي رباه بيديه ..

كانت الدموع تترقرق على عينيه ..

– ” مضت ثلاث سنوات وعشرة أشهر .. لقد حان الوقت ” ..

الظلام مازال يلف البيت الصغير مُرسلاً ستائره جذلى إلى كُل الزوايا فرحة مسروره، نفحات الهواء المُتسربة إضطربت لحركة ستائر الليل ثم صادقتها ليذهبان في حفلة راقصة سامره .. وحده الطبيب بقي مُتسمراً مكانه شُبه مُضجع يُراقب الباب المُغلق أمامه .. لم يفقد أحداً بعد، فغداً ستوكل إليه مُهمة تربية إبنه الجديد .. .

 

 

* * *

 

مضت ثلاثة وأربعين سنة منذ أن تحطمت المركبة الفضائية على ظهر هذا الكوكب، الرواد الشُجعان وجدو طريقة يمكنهم فيها من العيش بسلام مع طيور الكوكب المتوحشة هذه ..

 

الأربعة المُتبقين ” جون، إليزابيث، يوليا وجمال ” إتفقوا على أن يكونوا مُجتمعاً بشرياً جديداً، قرروا أن يبنوا قريتهم الخاصة ويحولوها إلى ” المدينة الفاضلة ” الجديده ..

فقط الفايروس الغريب وقوته كانت تقض مضجعهم، فقرر كمال أن يبدأ بدراسة الحيوانات الصغيرة التي تعيش على سطح الكوكب وتحليل سبب عدم إصابتها وإن كان بالإمكان صُنع لقاح ليحموا أطفالهم المُستقبليين من هذا الفايروس المجهول ..

 

سنينُ مضت، ولم يستطع جمال أو أحد من رفاقه الذين حاولوا المساعدة بيأس في إيجاد لقاحٍ للفيروس الغريب، أما أطفالهم فقد كان واحدٌ من ثلاثة فقط يولد دون أن يمر بمرحلة ذبول العينين وإنكماشها ثم سقوطها عن مقلتيه المؤلمة ..

 

قرر بعدها جون و إليزابيث أن يبدآ ببناء تكنولوجيا جديده تُمكن الأطفال العُميان على تحسس ومعرفة العالم حولهم ..

 

لقد كانت تقنيات نجاة لاغير .. أرادوا فقط أن يؤمنو مُستقبلاً مُشرقاً وصحياً لأطفالهم ..

 

 

 

* * *

 

 

– أنتَ أنتْ، كما أنتَ غيرُك ..

تلألأت المُقلة البلورية تحت أشعة الغروب للكوكب، همست مع كُل شعاع ضوء حافرة إياها بجزيئات الفضاء المُسافرة الماره ..

” أنتَ أنتْ… أنتَ غيرُك ” ..

تحشرجت الدِماء في فمه مانعة جُزيئات الهواء المسكينة من مساعدتة في التشبث بحبل الحياة الرفيع، سعُل بشدة محاولاً بصق الدماء التي تعاود الخروج بقوة شلالِ أمطرت عليه قُرب أمطارِ عملاقة ..

– هذا … إذ … سببُ ..

خرجت الكلمات مُقطعة من فمه الأحمر المتلطخ بتُراب الكوكب الرئيسي .. “رازفنتال” .. مُهمتة الأخيرة كانت بسيطة وسهلة لحد الشكوك :

– كاسلو مئة وأربعين، لديكَ مُهمة طارئة . تم تهريب ثلاثة بيوض مخبرية بواسطة مخربين، وتم تحديد موقعهم في المنطقة الرابعة والعشرين غرب الكوكب الرئيسي، تم القضاء على المُخربين لكن البيوض فُقدت، مُهمتك بأن تعيد البيوض سالمة تحت أي ظرف .

كانت المُهمة سهلة جداً، لكن مُنذ متى ومهام البحث والتنقيب تُعطى للجابين ؟

لقد نسي الإحتمالية الكُبرى، سبب خوف رؤسائه مِنه وإبتعادهم عن كُل مُمتطي طيور الترودوك ..

” الجثث الطائرة” كما كان الجنرال يسميهم دوماً، لقد مضت ثلاثة سنوات وعشرة أشهر منذ بدأ بإمتطاء طائره ” هوب”، كان بطريقة ما مؤمناً بأن طائره لن يخونه ويقتله مهما كان السبب، فهما تقاسما الكثير من الصعاب معاً، وفي الأربعة أشهر الأخيرة كانا قد وصلا إلى مرحلة تفاهم كبيرة بينهما حتى ماعاد السوط مُفيداً في السيطرة على الطائر، فهما أصبحا يفهمان بعضهما جيداً ..

أصبحا صديقان ..

هذا ما أراده الطائر، أن يؤمن له وجبة عشاء أخيرة مليئة بالثقة والمحبة، أن يُسعد سائسه حتى يلتهم قلبه ويُغذي صغاره ..

وهذا ما أرادته الحكومه، يوم آخر هادئ، بعيد عن تعقيدات تقاريرَ موت جنودها و ملاحقة الرأي العام، فكلمة “مفقود” أسهل نسياناً، والمُستقبل يستحق الكثير من التضحيات .

 

* * *

 

مرت  تسعون سنة، النمو السكاني يتضاعف بطريقة مُذهلة وكبيرة ! ثلاثة أجيال خلال تسعون سنة فقط، والتطور في مستوى العيش أصبح مُذهلاً ومثيراً للإعجاب أيضاً ..

 

توفي كُل من كمال وإليزابيث موتاً طبيعياً لتقدمهما في السن، بينما جون ويوليا العمياء مازالا حيين يُرزقان ، المُشكلة هي أن أصغر أحفادهما ” رافائييل” بدأ بإظهار ميولاً غريبة للسيطرة، فهو يُحب أن يُنظم كُل شيء ويعرف كُل مايحدث في القرية الصغيرة، ويُجن جُنونه عندما يقوم أحد الأبناء بالزواج أو بإختراع تقنية جديدة دون إخباره بذلك !

 

حاول الكهلين أن يُعدلا تصرف الشاب الخطر، فالمملكة الصغيرة التي بُنيت تيمناً بالمدينة الفاضلة لا يُمكن أن تُحكم من قبل أي فرد، والقوة ليست مفتاح الحياة هُنا، بل التعاون !

رافائييل، لم يستمع للعجوزين، بل عوضاً عن ذلك كون جيشاً صغيراً وأعلن أنه في عصره ستنتهي لعنةُ الفيروس قاتل البصيرة، وأنه طالما بقي على قيد الحياة سيفعل المُستحيل حتى يقضي عليه، حتى لو عنى الأمر مئات التضحيات !

لم يستطع العجوزين فعل شيء، فعصرهما ولى منذُ زمنٍ بعيد، ولن تفيد قصصهما عن البشر الذين كانوا يعيشون في الأرض ومآسي حروبهم الهوجاء التي كادت أن تُحطم الكوكب.

لم يستطيعا أن يمنعا دائرة القوة والسيطرة أن تتحرك من جديد، فتجرعا السُم ليلة تتويج حفيدهما الإمبراطور المجري الأول .. تاركين المُستقبل لأطفاله، همسا والموت يرقُص رقصته الأخيرة بأرواحهما المٌكسرة المٌتعبة :

-” فليحرروره إن أرادو ! ” ..

نور سماوي غشى أبصارهما، وتبعا الرُفقاء عالياً لبلاد فاضلة لا تمُل من نقائها ..

 

 

* * *

إنتهت ..

رأيان على “قالعِ المُقل – قصة قصيره –

  1. رائعة رائعة حد الجنون يا الجوهرة
    إبـــــــــــــــــداااع قليلة بحقك
    جد تخليته فيلم خيال علمي…اللغة لا غبار عليها…القصة مبتكرة وجديدة مشاء الله…ما أذكر مر علي شيء مقارب أبدا…أسم الكوكب وكل الأسماء الغريبة ووصفك للمجرات والكواكب وانتقالك بين الفترات الزمنية…أذهلتني بجد وحسستني بإحساس خيبة خخخخخخخ بس جد لازم اتغلب عليك…جميلة جدا وأنتظر منك المزيد

  2. خيال خصب.. وبعيد جدا .. حقيقة كنت في توهان وأنا أقرأ القصة! أحاول أن أركب أحداث القصة على أمر مجازي في الواقع ولكن لم استطع ..
    أقرب ما تكون لأفلام الانيمي والمخلوقات الفضائية التي أكرها منذ كنت صغيرا.. أنتهت القصة ولم أفهم شيء ! للأسف جعلتني أشعر بالغباء..

وما رأيك أنت؟

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s