52 تدوينه خلال 2012 · قصص وخواطر .. ||

أنياب براقة قرمزية، لا أرضية …. ولا سماوية . . . في الحياة، دوماً مخفيه !

.
.
.

نفحات هواء متطايرة في المرج الأخضر الوسيع ..
أشجار راقصة سعيدة بمقدم الربيع،هي فرحة مبتهجة وتمد أفرعها للسماء شكراً لله على هذه النعمة .
الحيوانات تقفز في الأرجاء غير مصدقة إنتهاء فترة الشتاء الصعبة وبدء لوحة الألوان المذهلة بالظهور من جديد .. عصافير تحوم في السماء، أسماك تقفز في البركة سعيدة، غزلان تركض في المرج تذيب بحوافرها بقايا الثلج شبه المائع على الأرض .
هزت شجرة الأرز الهرِمة جذعها الضخم مُبعدة بقايا ثلج ملتصقه بها. طارت العصافير إستجابة لحركتها سعيدة مرحة.
” إنه وقت بناء الأعشاش من جديد” ..
بيت ريفي طُلي سقفه بالأزرق يُطل على هذا المرج بشموخ، وبركة شُبه متجمدة تحاول التخلص من ركود الشتاء بموجات صغيرة تحدثها حركة الأغصان السابحة فيها .
عصافير السماء تُحلق وحيوانات الأرض تغرد .. أوه مهلاً لا يمكن لخنزير بري أن “يغرد” !
هذه صفة خاصة ومحدودة …
حسناً، السعادة والربيع كذلك !
.
.
.
تبدل الفصول لم يكن يوماً مُذهلاً وإستثنائياً أبداً !
أغصان تموت فتنمو أخرى بدلاً مِنها، وحيوانات تنام مدة أطول من المُعتاد وعصافير تتساقط قتلى لشدة الطقس وقساوته ..
هُناك أيضاً أولئك المرضى الذين ينهاورن واحداً بعد الآخر نتيجة تبدل هذا الطقس البديع !
زُكام و برد و إنفلونزا وحساسية موسمية وإكتئاب المواسم وغيرها الكثير ..
ومازال البشر متمسكين بحماقة بفكرة تبدل المواسم المُذهلة التي تقلب الأرض رأساً على عقب بدخول سينمائي باهر يخطف الألباب بروعته !
خطأ. !
الربيع يبدأ قبل أن ينتهي الشتاء بأسابيع، ومن يعلم ربما منذ منتصف الشتاء أيضاً ! ويموت الصيف مُتحللاً داخلل جثة الخريف العفنة منذ أن يبدأ !
البشرية لها خيارين فقط :
أن تتجمد للموت أو أن تتحول إلى خليط بركاني مُنصهر !
لا سينمائيات ولا سيمفونيات سعادة تنتظر على شرفات أبواب أي تغير مُحتمل ..
حسناً هذه مجرد وجهات نظر ، فلا الشتاء ولا الربيع ينتظران عينان فاحصتان ليبدآ التبدل والتقلب في أحضان بعضهما البعض ..

**
– سيد ليونهارد، وصلك طرد خاص.
رفع كهل في الخامسة والستين من العمر عينيه عن الجريدة المسائية التي كان يقرأها ، ثبت نظارتيه المدورتين فوق أنفه الأفطس جيداً وأخذ الظرف لخادمته الخمسينية :
– جهزي الشاي في الخامسة، واصنعي بعضاً من الكعك المُحلى .
– حسناً .
حالما غادرت الخادمة غرفة الجلوس حتى عدل “ليونهارد” جلسته وبدأ بفتح المظروف بيد مرتعشة عطشة لما يمكن أن يذكر داخلها، وكان شبح الإبتسامة المرتسم على وجهه المُجعد دليل رضاه التام المشوب بنصرة الإنتظار والفوز بعد معركة طويلة مُنهكة !
خرج بسرعة من الغرفة متجهاً للباب وصوت عكازة يرن في الأرض الخشبية كأجراس موت خائفة ، صرخ بسعادة لخادمته أن تستعد لإستقبال بعض “الضيوف” بينما يلبس قلنسوته الجلدية ويصفق الباب خلفه بسعادة ..

***
– خلف شجرة البلوط الكبيرة.
– لا ياغبي لم نصل بعد للشجرة الكبيرة ! مازلنا في بداية الغابة والخريطة تقول “مُنتصف” !
– أي منتصف يا أحمق ! سنصل إلى آخرها ومازلت تردد ذلك !
– تشه، أفعل ما تشاء ..
رفع “كلارك” جهاز تحديد الأماكن وبدأ يقارن مايقوله الجهاز ومايقوله هذا الأحمق “جون” !
الأمريكيون حادي المزاج أحياناً لكن “جون” تفادى حدود ذلك بأشواط طويلة !
أغلق الجهاز وأعاده إلى جيبه :
– حسناً يافهيم أين نحن الآن ؟
كشر “جون” والتفت إلى صديقه الغضبان :
– أين الشمال ؟
– هاه ؟
أشار جون إلى السماء المائلة للحمرة، المساء يقترب، ولم يصلا إلى نقطة التجمع بعد !
كل حقائب النوم وعدة التخييم أعطاياها “سوزي ” التي سبقتهما بساعتين إلى موقع التخييم الذي قرره طُلاب الجامعة !
غضب “كلارك” يتفاقم على صاحبه ، أخرج جهاز تحديد الأماكن لكن صوتاً غريباً بدأ بالظهور من الجهاز !
– ماخطب الجهاز ؟
– لا أعرف الشاشة سوداء ولا أستطيع إعادة إغلاق الجهاز !
– جرب اخراج البطارية ؟
أخرج جون البطارية بيدين مُرتعشتين “من الغضب والخوف المتفاقم لأن الغابة تلقي بستائر ليلها بسرعة جنونية” . لكن الأمر الغريب حقاً أن الصوت العجيب والشاشة المشوشة السوداء لم يتوقفان !
نظر الصديقان إلى بعضهما البعض بنظرة صامتة مليئة بالرعب !
نظراتهما تحمل سؤالاً واحداً :
– ماذا نفعل الآن ؟
لكن أياً منهماً لم يتكلم، أو يتحرك، أو ينبض قلبه أكثر من ذي قبل ..
الأشجار بدأت تتشاجر مع بعضها البعض، الطيور غاضبة على أعشاشها وتصرخ بحنق، السماء تطرد السُحب طرداً من سطحها الوسيع متمتمة بلعنات ترسلها الرياح إبراً قاتلة لكل من يجابهها .. السماء تبدل لونها بغضب كفتاة تبدل بين فساتينها ليلة زفافها صارخة لعدم وجود فستان يناسبها .. السحب تتبدل وتتقلب بحزن وسرعة باحثة عن مكان تحط به بدلاً من أمها الغضبى المعربدة بجنون السُكر ..
الأرض تحتهم تبدو دبقة وسريعة، النمل يسير على مهله ضاحكاً على هذين المخلوقين الذين لن يجدا لهما عريناً يحميهما من غضب الغابة المظلم ، الصراصير تُرسل نداءات استغاثة هُنا وهناك كجهاز اتصال سريع العمل، الأرانب تطل بأذنيها من جحورها المخفية متسمعة لإشارة الأمان المأمولة، الريح تصرخ على الأشجار لإشتداد ضجيجها، ترقص الأشجار بعناد بقوة أكبر وبهزات أكثر مبرهنة مقدرتها على فعل ماتريد ..
سكرت السماء غضباً، صرخت الرياح كمداً ورقصت الأشجار جنوناً، وهذان المخلوقان واقفان فيما يظنان أنه منتصف الحياة هُنا ..
وقفا باردين، أزرقين وجامدين كجمود الموتى الأحياء ..
وقفا، ولو كان الوقوف صخرة لتهادا عليها !
بالنسبة لرجلين من المدينة والصخب هدوء مليء بالضجة والجنون يعادل ثلاثمئة سنة حرب مضغوطة في كبسولة زجاجية متحطمة تحت موجة عارمة في منتصف المحيط الغاضب !
حرك “كلارك” جانبه الأيسر محاولاً التمسك بشتات شجاعة كاد أن يهرب منه عندما دوى صدىً راقصاً حول الأشجار قربهما ..
صدى كادا أن يصرخا له لينجدهما، لكن رُعب الصوت وشيطانية الضحكة أصاب قلبيهما بتوقف مؤقت كاد أن يودي بحياتيهما في نفس اللحظة ..
تلك الضحكة الشياطنية دارت ودارت ودارت، أعقرت السماء خمرها وطيبت خاطر الريح وهدأتها ..
تعبت الأشجار من رقصها المجنون واستسلمت لإستراحة شرب قهوة مع الطيور العائدة بأغصان حب وسلام لأعشاشها ..

عم الظلام المكان، هرب اللون الأسود نفسه خائفاً من عتمته الخاصة ، ترددت أبيات في المكان، كسرت حدة الصمت، أخرست الضجة وأخافتها ..
جففت الدم في عروقهما، بخرت العرق الذي كاد أن يتجرأ ويخرج للعالم سعيداً بالحرية .. رُعب ، إن كان الرعب يقدر على وصف حالهما !

.
.
.
.
ذلك الصوت ردد وقال مراراً وتكراراً بنكهة قهوة شيطانية مليئة بالشر المطلق والحزن المتأصل ..
مليئة بشيب الحياة وهرم السماء ..
” ”
الوقتُ قطعةُ ثلجٍ تذوب ،
تذوب،
تذوب
و تذوبُ ثمَّ تنتهي ..

“صمت مُخيف يخالطه نفس تنين مُنتن ليكمل بسعادة ”

والشّبابُ ربيع ،
ربيع،
ربيع،
والربيعُ أقصر الفصول ! *

.
.
.
توقف قلب “جون” مُباشرة ، كاد أن يتهادى على الأرض لكن قدميه المتصلبتان منعت قوة الموت نفسها من أن تبين ضعفه وخوفه !
بينما “كلارك” بدأ يرتعش بشدة حتى خال نفسه أحد تلك الشجيرات الراقصة أمامه !
الرؤية أمامه بدأت ترقص، أضواء تخرج هاربة من رحم الظلام ليُمسكها غاضباً ويعديها لقفصها المحبوسة فيه أبداً .. أصوات تقفز أمام عينه وتهرب لأذنيه مصرة على الدخول والخروج بسرعة لا يقوى على مُجاراتها ..
عقله يرقص ويتوقف ويعمل ويصرخ ويتذكر وينسى ويخاف ويُجن ويعود ليفكر ليقف مجدداً ويبدأ حلقة الجنون الغير ثابت والمتغير ..
لحظات هي، لحظات تغيرت وطالت وصالت وقصرت وصغرت وخافت وسعدت أمام هذين المخلوقين البائسين ..
سقطت صخرة “كلارك” وسقط معها مُغشى عليه !

.
.
.

***
فتحت الخادمة الباب مُبتسمة لسيدها الشاب العائد لتوه بعدما خرج عصر يوم أمس سعيداً لرسالة وصلته :
– مرحباً بعودتك سيد ليونهارد .
– أهلاً بكِ .
فتحت المنشفة ولفت بها جسد سيدها “الشاب”.
– أتمنى أن تكون الوجبة قد راقت لك سيدي .
ضحكة شيطانية برزت مُتجعدة من تحت جلده الناعم الأبيض :
– جداً عزيزتي، هُناك طبق جانبي إن أردتِ أيضاً !
ضحكت الخادمة وربتت على صدرها بفخر :
– هذا الجسد أقوى وأفضل مئة مرة مما كان عليه سيدي، دع التجاعيد بمكانها، الحياة قوة لانهائية ..
– ها ها ها ، مُحقة ! مُحقة ! الآن أين الشاي ؟ أرغب بالتمدد على الأريكة قليلاً ..
وأعدت الخادمة الشاي مع بعض الكعك المحلى كما أُمرت تماماً، عندما دخلت غرفة الجلوس كان سيدها جالساً على أريكته الجلدية يتابع التلفاز بإهتمام وبسمة لا تفارق محياة .
كان التلفاز يعرض برنامجاً طارئاً عن وجود مجموعة طُلاب جامعيين مفقودين في رحلة تخييم اتفقوا بها .
وكان الشخص الوحيد الذي وجد هو أحد الطلاب الذي أُصيب -كما يبدو- بالجنون لأنه ما انفك يردد بيتاً شعرياً بلغة غريبة لا يفهم مُنها شيء !
.
.
.
الوقتُ قطعةُ ثلجٍ تذوب ،
تذوبُ ثمَّ تنتهي ..
والشّبابُ ربيع ،
ربيع ..
والربيعُ أقصر الفصول*


* هذا البيت لا أعرف قائله وليس من تأليفي :$

وما رأيك أنت؟

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s