قصص وخواطر .. ||

طفل ترقب القمر 07

متى تخرج الفراشة من يرقتها ؟
بداية الربيع ؟ في أيام الصيف الحارة ؟ صباحاً أم قبل بزوغ الفجر ؟
” لا أعرف” …
ماذا عن شعورها إذن ؟ أتشعر بوخزات لطيفة على مفاصل ظهرها قبل أن تتفتح أولى ثغرات العالم الخارجي وتحس بنفحات الهواء المسالمة حتى تتشجع أكثر للخروج ؟
أو مهلاً لحظة ! أتملك الفراشات مفاصل أصلاً ؟
” لا أعرف ” …
ماذا عن السماء ؟ لماذا لاتنزل الغيوم إلى الأرض بالأيام الباردة ؟ لماذا هي شفافة وتسمح لأشعة الشمس بإختراقها ؟
لماذا تتكتل وتتمزق بسرعة ؟
” ……. الهواء يحمل الغيوم .. ”
الهواء ؟
لكن ماذا عنه ؟
لـماذا لا نستطيع إمساكه ؟ أللهواء لون ؟ كيف نعرف بوجوده ؟
ماذا لو إختفى الهواء فجأة دون أن نعي ذلك ؟
أيمكنك صنع هواء جديد ؟
” …… ”
ألا تعرف ؟
الإنسان مخلوق معقد ! يطلق الكثير من الأسماء على الأشياء ويعجز بعد ذلك تذكرها !
يضع قوانيناً كثيرة ولا يطبقها !
كما أنه يتعلق بالمصطلحات ومعانيها …. فهذه صخرة، إذن هي قاسية !
” ماذا لو كانت كرة طين مغلفة بغلاف صخري ؟ ”
إنها صخرة، إذن إنها قاسية ! هذا المهم، لاتتشبث بالمعاني كثيراً وإلا غرقت !
” ……… ”
.. ماذا لو كانت زهرة؟ رائحتها بالطبع ستكون جميلة !
ماذا لو كانت سامة أو عفنة ؟ ماذا لو لم تكن زهرة بالإساس بل مجرد تنكر ؟
” لا أفهم شيئاً! ”
أرأيت ؟
نحن البشر، أنا البشر، أنت البشر ..
نحن نطلق على أنفسنا أسماء لنصفنا أيضاً .. نحن نتكلم عن أنفسنا كما لو أننا لسنا نحن لنحكم على أنفسنا دون أن نشعر بوخز الضمير !
” الضمير … ”
ماهو ؟
أتعرف ماهو الضمير ؟ أهو أحساس ؟
أهو مادة ؟ شعور ؟ عملية تحليلية تطبق على المنطق ؟
” لا أعرف ” ….
أنا أيضاً !
مالذي نعرفه أكثر مما نعيشه ؟
كيف نصف مالم نلمسه ؟ كيف نقول مالم نسمعه ؟ كيف نبصر مالم نره ؟
لا نعرف ! فقط نخمن !
نقف في الزاوية أمام فسحة العقل الفارغة تلك ونملئها !
الفراشات ،نراها تحت أغصان الأعشاب الخضراء .. الأعشاب تعيش في الربيع ، إذن ” نظن أننا نعرف” أنها تخرج في الربيع ..
الغيمة تكره الأرض كما الهواء يكرهها فيحملها بعيداً عنا بمقابل أن تمنحه الإحساس الذي يميزه لنا ..
نحن لا نعرف، ولسنا متأكدين إن كنا سنعرف يوماً !
لكن، سنقف ونتخيل، سنظن أننا نعرف، وسنصدقنا ، ويتحول الأمر إلى حقيقة مؤكدة لنا !
” …. حقيقة ! ”
هممم ؟ ماذا ! تقف هُنا تردد ما أقول ؟
ألست بشراً أيضاً ؟ ألا تشعر بالفضول وتتسائل ؟
ألا تدعو نفسك بمصطلح يعبر عنك ؟
” …. ”
“…….. لا أعرف”

***
إنقطع الصوت الذي يحدثه فجأة إثر رائحة خانقة للطين، لم يستطع إثنان وأربعون تحريك أياً من عضلات جسمه عوضاً عن فتح عينيه، لايشعر بالكثير تحت ضغط الألم حوله ..
بالكاد يتنفس، وبالكاد يتحرك !
” هكذا يشعر الموتى إذن!”
تمتم بنفسه قبل أن يفقد الوعي مرة أخرى …

***

منذ بدء الخليقة والبدو يتنقلون من أرض لأخرى لرعاية مواشيهم والبحث عن أراض خصبة لها.
لا يسكنون في أرض أكثر مما يجب، ينهلون من الخيرات سريعة النضوب ويرحلون للبحث عن أخرى ..
تلك القبائل التي مازالت تجوب الفيافي حتى يومنا هذا ، باحثة عن أرض ترعى فيها أغنامها بعد أن هدها التعب وطول السفر، لتجابههم هزة أرضية عنيفة قلبت الأرض عليهم !
فلا الأرض عادت أرضاً من جديد !
إنشق نبع ماء عذب من الأرض الشمالية نتيجة تلك الهزة القوية، إنتعشت الأرواح وسعدت كما لم تسعد من قبل !
حطت القبيلة رحالها بجانب النبع لتستريح وتسعد بهذه النعمة التي أنزلها الله عليهم.
قام الرجال بنصب الخيام وتثبيتها، بينما الأطفال والنساء توزعو بين راع للغنم وطاه للطعام ومعبئ الجرار بالماء المعجزه، حينما سُمع نداء شابة صارخة بالطرف البعيد من النبع !
هرع الجميع هُنالك : رجالاً ونساءً، حاول الأطفال اللحاق لكن صدتهم العجائز لئلا يكون هنالك مالايجب أن يروه ..
تلك الشابة الصغيرة ذهبت لتستحم بطرف النبع البعيد، عندما وجدت طرف يد بشرية تمتد تحت الحطام وتتحرك بضعف شديد، كانت مغطاة بالدماء ومتسخة جداً حتى ليصعب التفريق بينها وبين التراب والطين حولها !
أسرع الرجال الأقوياء بالتنقيب في الأرض وحفرها بسواعدهم القوية ! ففرصة نجاة هذا المخنوق قد تتقرر بدقيقة تأخير قد تبدر من أحدهم !
ويالعجب ماوجدوه !
رجلان ضخمان مدفونان تحت هذا الطين والطمى، متسخان ومتقوقعان على شيء ما، كلاهما كان فاقداً وعيه وبارداً كالجليد !
حالما رفعوهما وجدو تحتهما جثة ميتة لشاب في الثامنة عشرة من عمره أو أصغر ،إزرق جلده وجحظت عيناه !
كان مشهداً مؤلماً حزيناً تسبب بإغماء الشابة وبعض النساء المتفرجات ! مما تطلب رشهن ببعض الماء البارد لإعادة رشدهن !
حُمل الرجلان شبه الميتان إلى أول خيمة منصوبة، بسرعة فائقة حتى لايتجمدان برداً ..
في البداية ضجت القافلة بخبر هذين الرجلين الغريبين المصابين ، وكيف أنه من المستحيل مقابلة مسافرين في صحراء كهذه ، وتهامس الجميع متوقعين ومحللين لملابسات وجودهم وأسباب رحلتهم !
فمنهم من قال أنهما مسافرين ضاعا عن قافلتهما وحوصرا بالهزة الأرضية حتى ظن مرافقوهم بأنهم ماتو !
ومن قال بأنهما تاجرين للسوق السوداء كانا يحاولان تهريب بضاعتيهما التي ضاعت من الهزة الأرضية !
ومنهم من كان شكوكاً فقال بأنهما جاسوسين لقرى ماتحت الأرض وأن الهزة الأرضية كانت عقوبة لهما !
ومهما قيل من أسباب وتحاليل ، فلا أحد منها إقترب من الحقيقة، ولم يجدو حقيقة ليخرجوها من أفواه الشابين أيضاً ..
فظلت حقيقة أصلهما ومنشأهما غامضة غير معروفة، لم يكسرها محاولة أي من سكان البدو الضغط لمعرفتها، فهم أيضاً يحترمون أسرارهم، وترحالهم الطويل علمهم الوثوق بغرائزهم و حدسهم الفائق ..
” هذان الشابان المصابان تحت رعايتي ! ولن أسمح لأحد أن يضع أصبعاً عليهما !”
بيان إنتشر بهيبة وجلال في القافلة، معلنة أن شيخ القبيلة تكفل بهذين الغريبين فاقدي الوعي .

Posted via m.livejournal.com.

وما رأيك أنت؟

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s