.
أحياناً تتغير رائحة الهواء داخل أنفي ..
تًصبح أكثر صرامة وقوة، أو تضعف فجأه حتى أكاد لا ألحظها ..
أنفي لا يتغير هذا ما أنا واثق منه، الهواء أيضاً لا يتغير بليلة وضحاها، مما يجعلني أتسائل دوماً إن كانت الحرقة في أنفي خيالاً أخترعته خلاياه حتى لا أنساها !
هذا الأنف الأحمق المشاغب ..
مشاغب وأحمق ومتعلق بسلسلة من الخشب التالف القديم ..
..
– ماذا تفعل بحقيبتي ؟ لحظة هذا دفتري مالذي تظن نفسك فاعلاً فيه !
وضع سبعة وعشرون الدفتر داخل الحقيبة ضاحكاً بسخرية :
– لااا شيء صاحب جلالتكم ..
إقترب إثنان وأربعون وأخذ حقيبته غاضباً:
– لا أحد يعبث بأغراضي دون إذن !
– أوه أيها الجرو الصغير لاتغضب لاتغضب ..
زفر زفرة غاضبة وهو يعيد مذكرته إلى داخل الحقيبة ويغلقها بإحكام :
– أحمق ! خمسة إستدعانا وأنت هنا تتطفل على حاجيات غيرك ! متطفل !
– أووه، يبدو أنك تخفي شيئاً ما هاه ؟ للأسف لم تسنح لي فرصة قراءة دفترك العزيز بعد !
قالها سبعة وعشرون بنبرة سخرية وهو يغادر الغرفة ضاحكاً :
– لا تقلق، لقد كتبت لك تذكاراً صغيراً فقط !
—
مرت عدة أشهر منذ أن كتبت شيئاً في يومياتي !
في الحقيقة أتعجب من تسميتها بـ”يوميات” إذ إنني كمنقب لا أجد وقتاً للنوم فما بالك بكتابة أحداث يومي، سبعة وعشرين أعتاد على أن يسمي دفتري ” مذكرة” خلافاً لما كتب على غلافها ..
حسناً، أظن أنه صادق بتسميته هذه ! هذه المرة على الأقل !
لم ألتقي بسبعة وعشرين إلا عندما تكونت فرقتنا، في الحقيقة لم أكن أعلم أنه يعيش معي بنفس القرية لكن ب”مجمع” آخر !
فنحن “المنقبون” لسنا مجرد أي شخص ينظم بعد توافر الشروط عليه .. لقد قُدر على حياتي أن أصبح منقباً منذ ولدت !
صحيح أنني كنت أرغب بذلك، لكن هذا حدث بسبب الكثير من المواقف التي عشتها بطفولتي، في الحقيقة لا أعرف مالذي قد يحدث لي لو كبرت دون أن أقرر أن أكون منقباً ، هل سأجبر على ذلك ؟
أم هل سأكون مجرد آلة تالفة ويحولوني لقسم الأعمال ؟
لا أحبذ ذكر إسم ذاك القسم ! إنه رعب جاثم على كل منقب حتى يعين رسمياً بمنصبه !
حقاً !
لا أعرف مالذي يدور بذهن أولئك السياسيين الملاعين، لكنهم بالتأكيد لايقيمون لحياتنا أدنى أهمية !
هذه الأيام، مع بدء حملة البحث عن أراض جديدة لبناء القرى فيها، تم دمج فرقتنا مع وحدة بحث .
لا أعرف إن كان يصح علي تسميتها بذلك ! إذ إنها أقرب لمجموعة من الأطفال المحكوم عليهم بالإعدام من ذلك !
رؤية أطفال في العاشرة والرابعة عشرة يعملون بجد تحت ظروف كهذة قد لايكون مقبولاً في “الأرض” التي أعتدنا العيش فيها ، لكن الآن .. إنهم محظوظين لبقائهم أحياء !
أتذكرون الميتم الذي كان يعيش به صديقي ؟
في السابق كان الإخلاء التام من القرية هو الحل الوحيد لتخفيف الإكتضاض السكاني، أما الآن، ولشدة الحاجة إلى الأيدي العاملة، فقد أصبحت المياتم هيئة خاصة لتوفير العمال لأي جهة قد تحتاجها !
الكل راض عن هذا القانون ويدافع عنه .. ” أترغب بقتل طفل بالعاشرة أم تعلمه الإعتماد على نفسه بهذه الحياة ؟”
للبالغون مئات الأعذار الجاهزة ليبعدو الشعور بالذنب عن قلوبهم، يستطيعون أن يؤلفو كتاباً عن مجزرة ليبررو أفعالهم البطولية ” حماية المستقبل” ، ” محاربة الفساد” ” شهداء الحرية” .. وغيرها من التسميات التي أطلقوها على قتلى رغباتهم الأنانية ..
حسناً لايحق لي قول الكثير فأنا بالغ أيضاً . كما أنني أشاهد وأرى كل مايحدث دون أن أنبس بكلمة معارضة على ما أعتقده غير صائب .
البلوغ علمني الإنصياع أيضاً ..
—
لقد وصلنا إلى منطقة “نظن ” أنها مناسبة لإقامة قرية جديدة فيها، فالتلوث بأقل نسبه هنا، والمياه متوفرة نظراً لقرب البحر ، كما أن الأرض منبسطة تماماً .
عملي يتطلب مسح المنطقة ، فثلاثون ألفاً هو الرقم المقدر لعدد السكان المستقبلي هُنا .
هل ستكفي الأرض لهم ؟
هل سنجد مكاناً يصلح لحفر المقابر بدلاً من حرق الجثث؟
هل ستتوافق طبيعة الأرض هنا مع أعمال البناء والتصنيع ؟
علي أن أجيب عن كل هذه الأسئلة، هذا عملي كمنقب ..
في اليوم الأول لوصولنا تحققت من التربة وصالحية الحفر فيها، بعدها قام فريق البحث بالحفر تحت عمق ثلاثة أمتار ..
” نعيش تحت الأرض هرباً منها ” .. سبعة وعشرين كان يردد ذلك دوماً كلما ذهبنا للحفر.
في اليوم التاسع، كانت الشمس شديدة الحرارة .. ” الصيف” كما قال خمسة لنا ..
– لقد بدأ الصيف، وبالصحراء قد تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية ..
حسناً أعرف ماهي الفصول الأربعة، لكن رؤية “الصيف” بعيني والشعور بحرارته الحارقة كان أمر جديد تماماً .
سبعة وعشرين “على عكسي” كان مستاءً جداً من ذلك، فسرية الأطفال يُرهقون بسرعة تحت هذا الجو ، ومن الصعب تأمين أي مساعدة لهم، فنحن بالكاد نوفر ماء الشرب لنا !
—
في الإسبوع الثالث من الحفر مات أكثر من نصف الباحثين، لم نستطع دفنهم فرمينا جثثهم ببقعة قريبة من شاطئ البحر .
—
الأسبوع الرابع، أصيب سبعة وعشرين بضربة شمس، لا أعرف ماذا أفعل لذا تركته يرتاح في الخيمة دون علم خمسة .. أظن أنه سيغضب لو علم بذلك ..
—
الأسبوع السابع، بقي فقط ثلاثة أطفال معنا، قاربنا على إنهاء المهمة الأولى وهي الحفر، أولئك الأطفال مرهقون جداً، لذا قرر سبعة وعشرون أن يعطيهم يوم إجازة .
خمسة غاضب جداً ..
أظن أن شيئاً سيئاً سيحدث !
—
الأسبوع الرابع عشر ،
أتمنى حقاً أن ينتهي كل شيء ! الحياة هُنا لاتطاق، بقي فقط طفل واحد وخمسة يستغله ببشاعة، سبعة وعشرون مازال معارضاً لأمر تشغيل الأطفال بشراسة ..
لأول مرة بحياتي .. أنا حقاً نادم لعملي كمنقب ..
—
الأسبوع الأول من الحرية ..
قررت وسبعة وعشرين الهرب مع الطفل، العملية نجحت وهانحن في إحدى غابات أفريقية !
الأشجار ميتة ، الأرض سوداء كالحة، لكن لأول مرة بحياتي .. تبدو جميلة حقاً ..
سبعة وعشرين قرر تسمية الطفل بـ “شمع” ، هذا الرجل غبي حقاً، لكن “شمع” أعجب بإسمه جداً ..
أظن أن ذلك جيد بطريقة ما .. على الأقل حتى الآن ..
لست معتاداً بعد على “الحرية” كما يسميها سبعة وعشرين ، مازلت أعتقد أن الهرب لم يكن قراراً حكيماً، لكن .. تعلمون.. أحياناً نقود أنفسنا للطريق المهلك علماً بذلك .. ليس رغبة بالهلاك، بل أملاً بتغيير النتيجة !
اااه أزين شي لما إنحاشو ^^
أخييرا سووها وإفتكوو من هذا الشي
يووه والله تحممست معهم
توقعت إن هذا الي رقمه بالعشرينيات إنه ماراح يساعده
بس خمسة ما توقعته أبدا كذا
الحين المهم إنهم إنحاشو
في إنتظار البارت الجديد ^^ << وإن شاء الله أرسم
للحين أنا بالجزء الأول
بس إن شاء الله راح أبدا بعده بالجزء الثاني