إن جاءك شعور السخافة, وبدأت في الاعتقاد أن ما تنجزه -أياً كان- سخيفاً, أنت محظوظ فهذا يعني أنك بدأت في خلق شيء جديد ومبدع.
قد وصلت لنواة الإبداع, وهي السخافة.
كثيراً ما نصف الأشياء بالسخافة مما يجعلنا نحذر جداً في الوقوع فيها والمرور بها للخروج بنتيجة مبدعة.
لأنه لا سبيل إلى التأكد من سخافة الشيء (كما سيأتي ذكره), في العادة أضيف قليلاً مما أعتقده سخافة مني في التدوينات, وفي بحوث وعروض الجامعة, وفعلت ذلك كثيراً في كتابة المشاهد التمثلية في المدرسة طوال حياتي, فهي غالباً ما تكون أفضل جزء. ما أعتقده سخيفاً يتضح أنه فقط شيء جديد وإبداع. ويجعلني ابتسم وأنا أنجره.
المهرجون يربحون من السخافة, ولا أقول كونوا مهرجون لا سمح الله, ولكن قليل من السخافة لها فوائدها, لا نحتاج التحصن منها والحذر كثيراً من الوقوع فيها.
لماذا نحمي أنفسنا من السخافة؟ لماذا نخاف أحياناً أن يكون إنتاجنا سخيفاً؟ من نحن أصلاً حتى نختلف عن الجماعة, فنحن نعيش في كون مليء بالسخافة؟! 🙂
السخافة والإبداع أصدقاء الروح بالروح
ليسوا نفس الشيء ولكنهما من أولئك الأصدقاء الذين يتشابهون في التصرفات والكلام.
فالسخافة هي الإبداع الغير منقى, السخافة هي المادة الخام للإبداع.
ما نطلق عليه سخيف هو:
- غير منطقي ولا يقبله العقل ويخالف الواقع, ومن الإبداع أن تكون غير منطقي وتخلق شيء غير موجود, مثل: تأليف قصة خيالية, هل الأبطال الخارقون والسنافر منطقيون؟ إنسان يطير وكائنات زرقاء, سخافة أم إبداع, تشابه فضيع. بعض الإنتاجات المبدعة لا تتلاءم مع منطقنا وهذا ما يجعلها مبدعة.
- شيء غير عادي أو معتاد, الشيء الذي لم نعتد رؤيته في وضع معين ويخالف اعتقادنا المتمسكة نعتقد أنه سخيف. مثل الحيوانات التي تتكلم, هذه هي السخافة الحقيقة, والإبداع الحقيقي. (أول ما ظهرت على الأقل.)
- أمر غير شائع أو معروف بين الناس, بالتالي لا يتعقدون أنه منطقي, فليس لديهم خلفيهم أو معلومة ليربطوها معه, مما يعني أنه سخيف. والشيء الغير مشهور عبارة عن شيء جديد ومبدع.
مما يعني أن السخافة والإبداع تتشابه كثيراً, ولكن حذرنا من السخافة والوقوع فيها, يمنعنا من التجرؤ للخروج بشيء مبدع حقاً.
أعتقد أن الأمر أحياناً يقتضي تطبيق عدة أفكار سخيفة للخروج بواحدة أخرى أكثر سخافة وإبداعاً وإفادة.
شروط تحول السخافة إلى إبداع
- الالتزام. تقرر جدياً أنك ستحقق هذه الفكرة وتسعى لذلك.
- بذل الجهد. تخصص وقت لها, تستمر حتى إن صعب الوضع.
- تصفيتها وصقلها. وذلك بإضافة تحسينات وإتقان تنفيذ الفكرة. الكثير من الإضافات الجيدة ستأتي خلال العمل عليها.
جهاز قياس درجة السخافة معطل, وسيكون دائماً كذلك
مقياس السخافة يختلف من شخص لآخر, ما تظنه سخيفاً قد لا أجده أنا كذلك والعكس صحيح. الذي يظن أن ما أنتجته سخيفاً لا يعني أنه محقاً, ولكن يعني أنه ليس من جمهورك أو غير منفتح للأفكار الجديدة.
بعض الناس لا تتقن جيداً الحكم على الإبداع ولا تفرق بينه وبين السخافة. وهذا مثال على ذلك:
قد يرى البعض الأوبرا والفن التجريدي سخيفة ولا معنى لها, وأصحابها تكون أذواقهم عالية وعباقرة حتى. وهذا لا يعني أن من يعتقدوا أنها سخيفة جاهلين (ربما قليلاً) ولكن أكثر من ذلك, هذا يدل أن السخافة تختلف حسب الأشخاص ولا يجب أن تكون مقياس مهم للعمل الفني أو الإبداعي.
لا يوجد مقياس جيد ودقيق للسخافة, فكيف نحكم على إنتاج إبداعي بأنه سخيف؟ وإن كانت مقياس فهي تتغير مع الزمن مع الإنسان ومزاجه. وما ظننا أنه يوماً رائعاً نجده اليوم سخيفاً ومحرجاً جداً.
إن شعرت أن ما تنتجه سخيفاً
سواء كنت تكتب أو تصمم أو تبحث عن فكرة لبحث وشعرت أن ما أنتجته أو ما تنتجه سخيفاً, خذ هذا بعين الاعتبار:
- السخافة تتشابه كثيراً مع الإبداع, أو هي الإعلان المسبق عن حضور الإبداع.
- الشعور بالسخافة ضروري لتعلم أنك خلقت شيء جديد ومختلف. تحتاج قليل من السخافة لتخرج بإنتاج مبدع وخلاق ولا مثيل له.
- هي إشارة لإضافة تحسينات.
- لا تتوقع ألا تقابل شخص يقول لك: ما هذه السخافة؟, هذا فقط يعني أنه ليس من جمهورك, وليس الكل يتقن الحكم على الإبداع.
- السخافة تدل أنك بصدد شيء جيد, فكما قال أنشتاين, “إن لم تكن الفكرة في بدايتها سخيفة, فلا أمل منها”.
الأفكار المبدعة هي أفكار سخيفة لقت الاهتمام والرعاية, لذا لا تفكر في سخف الفكرة, فكر في رغبتك في الالتزام, الالتزام بالفكرة والعمل عليها. هذا ما تقتضيه كتابة تدوينة بالنسبة لي أو تنفيذ فكرة للجامعة: اختيار فكرة والالتزام بفكرة والعمل على تحسينها.
أمثلة على قليل من السخافة والإبداع الشديد
سنجد أمثلة كثيرة إن بدأنا بالملاحظة, لكني اخترت هذه لأني اعتقد أن الكل تقريباً يعرفها.
عائلة سمبسون
قليلاً من السخافة جيد, كل الكوميديون سخيفون, ومسلسل سمبسون الأصفر, متأكدة من أنهم شعروا بالسخافة خلال إعدادهم له.
بغض النظر عن آراءنا الأخلاقية والدينية في هذا المسلسل لا نستطيع القول انه ليس سخيفاً لحد ما ومبدع لدرجة كبيرة.
فهم عبارة عن عائلة صفراء مرسومة بشكل غير معتاد, هدفهم من الحياة غير واضح, الأب الذي يتصرف بتصرفات غير معقولة ومجنونة, وشعر الأم وصوتها قصة أخرى…
هو عبارة عن سخافة -بدون نية في التجريح أو الذم- متقنة.
الكثير يتابعه فهذا ما جعله يستمر 21 موسم, في نفس الوقت الذي يجده البعض سخيف ولا يفهموا سبب متابعة الناس له. لكن الذين يتابعوه يتابعوه بإخلاص وإعجاب شديد.
وهذا ينطبق كثيراً على الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية المبدعة العربية والأجنبية.
في الواقع, لا أعتقد أن هناك شيء مبدع وليس فيه ذرة من السخافة, أليس كذلك؟
إعلان كمفورت
إعلان كمفورت منعم الأقمشة, الأشخاص والعالم المصنوع من الأقمشة, فكرة مبدعة, صحيح؟ لكنها سخيفة قليلاً لو فكرنا فيها, فهي عبارة عن شخصيات لأقمشة تتحدث, وفي السابق رأينا عالم مصنوع من الحلوى ورأينا كل شيء يتحدث, الحيوانات والأقلام والبيوت.
أصبحت مبدعة لأنهم اشتغلوا عليها وجعلوها خفيفة دم وواقعية, تفرح وتحزن ويغضبها ما يغضب الإنسان العادي.
اعتبرها الخبراء من أفضل الحملات الإعلانية, وأغرم الناس بها.
أعتقد أنه العديد فكروا بفكرة الأقمشة التي تشبه الإنسان, ولكن من طبقها لكمفورت كانت لديه شجاعة لتطبيق الفكرة فسبق الآخرون.
المحقق كونان
لو قلت لك لدي فكرة عن فتى في الثانوية يعتبر محقق مشهور, وفي يوما ما يجعله الأشرار يشرب عقار فيصبح بجسد طفل بعد أن كان إنسان بالغ… على الأغلب ستقول لي بلطف لكي لا تجرح مشاعري: سوز هذه الفكرة سخيفة نوعاً ما.
ولكن هذه الفكرة المبدئية للمحقق كونان -من منظار السخافة- الذي يشاهده الكثير, والذي لو شاهدته أنت ستلاحظ جودته وإبداعه.
لا أقصد كونوا سمبسون أو أقمشة تتحدث, فقط لا تترددوا في إضافة قليل مما تعتقدون أنه سخيف أو ما قد يظن عنه الغير أنه سخيف إلى إنتاجاتكم الإبداعية.
الأشخاص الذين يظنوا أن الكثير من الأشياء سخيفة, لن يقابلوا الإبداع, ولن يلاحظوه, وسيفوتون على أنفسهم الكثير.
تمرين في السخافة والإبداع
فكروا في أي شيء تظنوا أنه إبداع كبير, ولاحظو الجانب السخيف فيه, والذي أضاف إليه هذا الإبداع. ولا تنسوا مشاركتها إن وجدتم واحدة. قد يكون هذا الإبداع برنامج وإعلان في التلفاز, أسلوب كاتب أو شاعر, لوحة أو نوع من الفن, مسرحية, كتاب…
أعتقد أن ما أردت قوله حقاً هو أن كل الأفكار الجديدة التي ستخرج من عقولنا ستكون سخيفة وغير منطقية مع عالمنا, تحتاج منا احترامها والالتزام بها لجعلها واقعاً مبدعاً.
الصورة الأولى لــxJasonRogersx, تحت رخصة Attribution 2.0 Generic.
صورة سمبسونز لـclogwog من فليكر تحت رخصة Attribution-NonCommercial-ShareAlike 2.0 Generic.
صورة كونان لـαλέξ Trüng Huỳnh من فليكر تحت رخصة Attribution-NonCommercial-ShareAlike 2.0 Generic
—
هذه التدوينة اخذتها من المدونة الجميلة الرائعة … الخطط العفوية المبدعة …
وهِنا تجدون رابط التدوينة الأصلي [ http://wp.me/pkgFp-1VB ] ..
❤